مفهوم الإرهاب

بقلم/ عبد الرحمن المهدي
يُعدّ الإرهاب من أكثر الظواهر تعقيدًا وإثارةً للجدل في عالمنا المعاصر، إذ لا يزال المجتمع الدولي عاجزًا عن صياغة تعريف جامعٍ مانعٍ له. غير أن هناك عناصر مشتركة تكاد تتفق عليها أغلب المقاربات، وهي أن الإرهاب يقوم على استخدام العنف أو التهديد به لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو أيديولوجية، من قِبَل دولةٍ أو جماعةٍ أو أفراد، تستهدف عادةً مدنيين أبرياء أو منشآت حيوية، خارج إطار أي صراع عسكري مشروع.
أما عن جذور الظاهرة وأسبابها، فلم يولد الإرهاب من فراغ، بل هو نتاج ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية متشابكة. فالظلم، والفقر، وغياب العدالة، واحتكار الثروة، والتمييز العرقي والطائفي، تُعدّ بيئةً خصبة لتفريخ التطرف. كما ساهمت العولمة المنفلتة، والثورة التكنولوجية، والإعلام الأصولي، والهيمنة الأجنبية على أوطان الشعوب في توسيع رقعة الإرهاب وتعدّد أشكاله. لقد أصبحت الجرائم المنظمة، وشبكات المقاتلين العابرين للحدود، واستخدام الإنترنت ومنصّات التواصل، جزءًا من أدوات الإرهاب الحديث، حيث باتت الحروب الإلكترونية والاختراقات التقنية سلاحًا موازيًا للبندقية والقنبلة.
تتنوّع مظاهر الإرهاب بين الإرهاب الفكري الذي يصادر حرية الرأي ويزرع الكراهية باسم الدين أو العقيدة، والإرهاب الطائفي والعنصري الذي يقسّم المجتمعات، والإرهاب السياسي الذي تمارسه بعض الأنظمة لقمع معارضيها، وإرهاب الدولة الذي تُمارسه القوى الكبرى ضد الشعوب المستضعفة تحت غطاء “محاربة الإرهاب” نفسها. وهنا تكمن المفارقة الكبرى: فالعالم الذي يجرّم المقاومة المشروعة، يتغاضى عن جرائم الاحتلال والعدوان، ويُلبس الضحية ثوب الجاني.
وعند الحديث عن الإرهاب بين المقاومة والعدوان، يبرز السؤال الأخلاقي والإنساني الأعمق: هل يُعَدّ الشعب الذي يُقاوم الاحتلال دفاعًا عن أرضه وكرامته إرهابيًا، أم أن الإرهاب الحقيقي هو من يضغط زرًّا في طائرةٍ مسيّرة ليقتل أطفالًا ونساءً في بيوتهم؟ من الذي يستحق وصف “الإرهابي”: المقاوم الذي يدافع عن وطنه، أم الذي يُصدر الأوامر باحتلال الأوطان وسرقة مقدّرات الشعوب؟
خلاصة القول: لا يمكن اختزال الإرهاب في دينٍ أو شعبٍ أو ثقافة، بل إنه ظاهرة إنسانية منحرفة تنمو كلّما غابت العدالة، وضعفت القيم، وساد منطق القوة على حساب الحق. ومحاربته لا تكون بالقوة العسكرية فقط، بل بإرساء العدالة، ونشر الوعي، وتجفيف منابع التطرف، وإعادة تعريف مفهومي الحرية والمقاومة في ضوء القيم الإنسانية الأصيلة.