مقالات الرأي

انتصار الإرادة الفلسطينية

بقلم/ ناصر سعيد

بعد مرور عامين على اندلاع حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة، يمكن القول إن ما جرى لم يكن مجرد مواجهة عسكرية تقليدية، بل محطة تاريخية فاصلة في مسار الصراع الفلسطيني – الصهيوني، قد استُنفدت فيها كل أدوات القوة الإسرائيلية، واستخدمت فيها أعتى أنواع السلاح والتدمير الممنهج ضد المدنيين والبنية التحتية، دون أن تنجح في تحقيق الأهداف السياسية والعسكرية التي أعلنها قادة الكيان منذ اليوم الأول للحرب.

لقد كان الهدف المعلن للاحتلال القضاء على حركة المقاومة الفلسطينية وإزالة قدرتها العسكرية، غير أن نتائج الميدان أثبتت فشل هذا الرهان، فبعد عامين من الحصار والقصف والتجويع، لا تزال المقاومة قادرة على إدارة المعركة وفرض شروطها، وتمكنت في نهاية المطاف من تحقيق أحد أبرز أهداف “طوفان الأقصى”، والمتمثل في تحرير آلاف الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، في صفقة تبادل شكلت تحولًا استراتيجيًا في ميزان الردع وأثبتت أن الكلمة العليا في الميدان لم تعد بيد الاحتلال وحده.

إن الكيان الصهيوني، الذي رفض منذ البداية أي تفاوض تحت النار، وجد نفسه في النهاية مضطرًاإلى الرضوخ لشروط المقاومة بعد فشله في تحقيق أي من وعوده المعلنة، وقد كشفت هذه النتيجة عن مأزق استراتيجي داخلي عميق يعصف بالمؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، التي دخلت الحرب بوهم استعادة “الردع” فخرجت منها مثقلة بالانقسامات وفقدان الثقة.

أما على المستوى الإقليمي والدولي، فقد أسهمت هذه الحرب في إعادة صياغة المشهد السياسي المتعلق بالقضية الفلسطينية، فالمعركة أعادت فلسطين إلى صدارة الاهتمام العالمي بعد سنوات من التهميش، وفضحت الطبيعة العنصرية والإرهابية للاحتلال أمام الرأي العام الدولي، ووضعت العديد من القوى الغربية في موقف حرج نتيجة انكشاف ازدواجية معاييرها في قضايا حقوق الإنسان، كما عززت الحرب حضور محور المقاومة في معادلة الأمن الإقليمي، وبيّنت أن أي تسوية مستقبلية للصراع لا يمكن أن تتجاهل قوة المقاومة ولا إرادة الشعب الفلسطيني.

ومن المهم الإشارة إلى أن “طوفان الأقصى” لم يكن يستهدف تحرير فلسطين بالكامل في مرحلته الأولى، بل كان عملية استراتيجية تهدف إلى كسر الهيمنة الصهيونية وإعادة تعريف قواعد الاشتباك، وقد نجحت هذه العملية في تحقيق تلك الأهداف، إذ لم يعد الاحتلال قادرًا على فرض إرادته منفردًا، ولا على حماية جبهته الداخلية من التآكل السياسي والمجتمعي المتزايد.

إن الحرب التي حاول الاحتلال أن يجعلها نهاية للمقاومة تحولت إلى بداية لمرحلة جديدة من النضال الفلسطيني، قوامها الوعي والإصرار والقدرة على تحويل المعاناة إلى طاقة سياسية وميدانية فاعلة. فالدماء التي سالت في غزة لم تكن ثمنًا للهزيمة، بل ركيزة لانتصار أخلاقي ومعنوي واستراتيجي، سيظل تأثيره يتسع في السنوات المقبلة.

لقد أكدت هذه الحرب أن القضية الفلسطينية لا تزال حية في ضمير الأمة، وأن مشروع التحرير لم يعد حلمًا مؤجلًا، بل مسارًا يتقدم بخطى ثابتة رغم كل التحديات، تحية تقدير وإجلال للشهداء الأبطال في محاور المقاومة بفلسطين ولبنان واليمن.

زر الذهاب إلى الأعلى