مقالات الرأي

ليبيا بين إنجازات الماضي وأوهام فبراير

بقلم/ عبد الله ميلاد المقري 

للأسف الشديد، بعد سنوات عجاف من الفوضى والفساد والانقسام السياسي والإداري نقف اليوم أمام مشهد سياسي وثقافي واجتماعي وأخلاقي ليس بجديد على شخوص المأساة والنكبة الوطنية يكرّس في مجمله إنكار الحقيقة وطمسها خلف ستار من الكذب والبهتان. وقد صُنعت لهذه الأكاذيب مبررات لتجميل نهج فبراير التدميري، بينما القاعدة الأساسية في مسيرة أي دولة هي أنها تواجه تحديات مختلفة خلال مراحل البناء؛ فتارة تكون هذه التحديات بفعل الظروف الاقتصادية، وتارة نتيجة قصور في تنفيذ الخطط أو بسبب معوقات ترافقها. غير أنّ ما حدث في ليبيا بعد فبراير لم يكن مجرّد صعوبات طبيعية ترافق تطور الدول، بل كان انهيارًا شاملًا لمؤسسات الدولة ونسفًا لمشروعها الوطني، تحت شعارات زائفة سرعان ما انكشفت حقيقتها، ويحمل الشعب الليبي وقواه الوطنية على بطلانها.

أما ثورة الفاتح، ورغم ما وُجّه إليها من سهام الحقد والتشويه، فقد شكّلت محطة وطنية فارقة، قادت معركة التحرر الوطني، وحققت نقلة متقدمة في مجالات التعليم والصحة والاجتماع والاقتصاد. كما خاضت تجارب حية من أجل توفير حياة كريمة للمواطن الليبي، ومنحت الليبيين استقلالهم وإرادتهم وكرامتهم، وحررت البلاد من الوجود الأجنبي، وأنهت رهن الاقتصاد والنفط للخارج المستغل. 

لقد أرست أسس دولة ذات سيادة محترمة في محيطها الإقليمي ومن خلال سياساتها الخارجية. لكن هذه التجربة لم تسلم من محاولات الاستهداف الخارجي المتكررة، وكان العدوان عام 2011 تتويجًا لهذه المحاولات، إذ سعى إلى فرض واقع جديد تحت مسمى “الثورة”، بينما هو في حقيقته مؤامرة كبرى بأبعادها وأهدافها.

واليوم، وبعد مرور أربعة عشر عامًا كاملة، ما زالت ليبيا تعيش في ظل تبعات تلك المؤامرة، غارقة في صراعات داخلية وانقسامات سياسية، فاقدة لاستقرارها وأمنها، وأسيرة لهيمنة خارجية تتحكم في مواردها وخياراتها. لم تتحقق الشعارات التي رفعت حينها، ولم يجنِ المواطن سوى المعاناة وضياع المكتسبات.

إن ما يجري ليس سوى جريمة العصر، جريمة لا يمكن طمسها مهما حاول المبررون، فالتاريخ لا يرحم، والشعوب لا تُخدع إلى الأبد. ومع ذلك، يظل الأمل قائمًا في أن ينهض الليبيون من بين ركام الأزمة، ليبنوا مشروعًا وطنيًا جامعًا، يستعيد كرامة الدولة، ويعيد للوطن مكانته التي يستحقها بين الأمم، بعد ذلك لن يكون لأي قوة خارجية إعادة الدور التآمري للمرة الثانية لأن الليبيين قد تحصنوا بالخداع السياسي الذي كان أعلام المؤامرة من الجزيرة إلى العربية وقنوات الغرب الناطقة باللغة العربية مدخلا لترويج الكذب والرياء، وهي الخديعة التي بنت عليها فبراير وقادتها الحجج الواهية ومعها أدوات الناتو.

زر الذهاب إلى الأعلى