مقالات الرأي

بيت الخيانة والهشاشة

بقلم/ عفاف الفرجاني

في عالم الحشرات يضرب العنكبوت مثلا صارخا لبيت يقوم على الغدر أكثر مما يقوم على الخيط، فالأنثى ما إن تنتهي من التزاوج حتى تفتك بذكرها وتلقيه جثة هامدة، ثم لا يلبث الأبناء أن ينقلبوا على أمهم نفسها فيمزقونها شر تمزيق، إنه بيت واهن، لكنه قبل كل شيء بيت للخيانة والافتراس، حيث لا رابطة تصمد ولا أمان يبقى.

هذا المشهد ينطبق اليوم على الواقع الليبي، فمنذ أن جاء عبد الحميد الدبيبة عبر مخرجات جنيف عام 2021 رفع شعارات الوحدة والانتخابات، لكنه سرعان ما أغلق الأبواب أمام أي حل يعزز دور القوات المسلحة، مفضلا الارتماء في أحضان الميليشيات التي خطفت طرابلس، فتحول البيت الليبي إلى بيت عنكبوت تتنازعه الجماعات المسلحة وتنهشه الصراعات على المال والنفوذ.

الأرقام تكشف حجم الانهيار الاقتصادي، أكثر من عشرين مليار دينار صرفت على كيانات أمنية موازية خارجة عن سيطرة الدولة فيما يعيش ثلث الشعب تحت خط الفقر.

طرابلس وحدها شهدت في عام 2022 أكثر من 300 اشتباك مسلح بين مجموعات ممولة من الحكومة، خلفت ما يزيد على 250 قتيلا وآلاف الجرحى من المدنيين الأبرياء، وفي المقابل استطاعت القوات المسلحة أن تفرض الأمن في الشرق والجنوب وتؤمِّن الحدود التي تحولت إلى ممرات للتهريب والإرهاب.

ولم يتوقف مشهد الخيانة عند التحالف ضد الشعب، بل امتد ليشمل الميليشيات فيما بينها، فكم من تحالفات انهارت بين ليلة وضحاها، وكم من قادة باعوا رفاق الأمس في صفقات سرية مقابل المال أو المناصب.

المشاهد الدامية من قلب طرابلس إلى ضواحيها لتمتد غرب البلاد، كلها تثبت أن الغدر صار قانونا حاكما داخل بيت العنكبوت الليبي، الولاء لا يعطى للوطن، بل للمصالح، والعهد لا يصان إذا تغيرت موازين القوى، حتى باتت الميليشيا تخون أختها بالسلاح والدم كما خانت الوطن من قبل.

أما تقارير الرقابة الإدارية لعام 2023 فقد كشفت عن مليارات مهدورة في عقود وهمية وصفقات مشبوهة، بينما المواطن يئن تحت أزمة الكهرباء والدواء والسيولة في وقت تبذر فيه الثروات لشراء الولاءات وحماية الكراسي.

إن ليبيا اليوم غارقة في خيوط عنكبوتية متشابكة تبدو معقدة، لكنها واهية في جوهرها.

حكومة الدبيبة اختارت أن تراهن على الوهم، وإرادة الشعب وجيشه راهنوا على قدرتهم في إعادة بناء بيت صلب يستند إلى مؤسسات شرعية ويستعيد للوطن نسيجه القوي بعيدا عن أوهام العناكب وخياناته.

زر الذهاب إلى الأعلى