تهافت أطروحة الثورة

بقلم/ عبدالسلام محمد إسماعيل
التدخل العسكري الدولي والتوجيه السياسي الخارجي في الأحداث الخطيرة التي مرت بها بعض البلاد العربية منذ 2010 وحتى الأحداث الأخيرة في سوريا لا تستقيم مع محاولة وصفها بأنها ثورة، كون هذه الأخيرة لا تكون إلا فعلًا وطنيًّا غير مستورد من الخارج ولا متدخل فيه من قوى أجنبية. والثورة بالإضافة إلى ذلك تقوم على عاملين أساسيين، الأول يتعلق بهدم كل ما هو قديم من قواعد وقوانين ومؤسسات وعلاقات مجتمعية، فيما يمثل الأساس الثاني عملية البناء والإحلال للقواعد والنظم والمؤسسات والعلاقات المجتمعية الجديدة.
قد يقول قائل: لماذا تشارك الجماهير في الثورات على خطورتها، واحتمال فشلها قائم، طالما يمكن إجراء عملية التغيير سلمًا ووفق المنظومة القانونية والمؤسساتية القائمة؟ على وجاهة هذا القول، فإن عامل الزمن يمثل العنصر المرجح للتغيير الثوري على حساب التغيير التقليدي، حيث تتم عملية الهدم بصورة فورية في حالة التغيير الثوري، باعتبار أن هدم القواعد القديمة مهمة الجماهير الغاضبة، وعادة ما تنجز الجماهير مهمتها منذ اليوم الأول للثورة، فيما تُسند مهمة البناء للنخبة والقادة الثوريين. وهنا تظهر الحاجة إلى العنصر المرجح الذي تحدثنا عنه سلفًا، حيث على القادة الثوار تفعيل الزمن الثوري وحرق المراحل لإنجاز عملية البناء. وبهذا المعنى فإن التغيير بشقيه (البناء والهدم) يجب أن يتم بأثر فوري لأنه يستند إلى قوانين ثورية، غير تلك القوانين التقليدية التي تتطلب آجالًا ومساطر وقواعد شكلية وموضوعية لازمة لإضفاء المشروعية.
مخاطر أغلب الثورات التي شهدها العالم وأزماتها تكمن في نجاح عملية الهدم وفشل عملية البناء، عندما تنجح الجماهير المتظاهرة في عملية الهدم في حين تفشل عملية البناء التي تكون عادة من اختصاص النخب والقادة الجدد، حينها نكون أمام مجتمع ممزق ومدمر ومنقسم على نفسه ومتحارب فيما بينه.
فالشعب الغاضب لا يتسامح مع قادته الفاشلين الأمر الذي يدعوه إلى إسقاطهم كما أسقط النظام القديم.
دروس الثورة الفرنسية تتوافق مع هذا التحليل، فكما أُعدم الملك لويس السادس عشر بالمقصلة (1793) فقد أُعدم قادة عظام من أمثال (كامي ديمولان) و(جورج دانتون) وذلك عندما سادت مرحلة الفوضى، ثم أُعدم لاحقًا قائد الفوضويين (ماكسميليان روبسبيار)، حيث تجلت صورة “القطة تأكل أولادها في الثورة الفرنسية”.
بعد مرور ما يناهز الخمسة عشر عامًا على ما جرى في ليبيا (مع التحفظ على تسمية الثورة لأسباب منها التدخل العسكري الدولي الخارجي)، لم يتخطَّ الوافدون الجدد عملية الهدم وعجزوا عن بناء قواعد ومؤسسات جديدة، واكتفوا باجترار المبررات والأعذار التي لم تعد تقنع أحدًا، حيث لسان حال الشعب الليبي يقول: ما أغنانا عن تلك الأحداث؟ ولماذا لم نطور أدوات تغيير سلمية داخلية تؤتي أكلها طالما استغرقنا كل هذا الزمن؟
القطة أكلت أولادها في برقة وفزان، والقطة في طرابلس تضع أولادها على مائدة العشاء الأخير.