مرحلة الانتكاس السياسي

عبد الله المقري
الوطن العربي يعيش مرحلة الانتكاس السياسي، والمواطن العربي لم يعد له إلا الخنوع، فقد خسر دور القيادة السياسية التي تحمل الفكر لمشروع عربي واعد يركز على الثوابت القومية التي تصون الكرامة والاستقلال والوحدة وحرية المواطن، والانتقال إلى الحفاظ على الثروة القومية، للأسف سقطت العواصم العربية في الصراعات السياسية وتعرضت للمؤامرات الخارجية والداخلية من بغداد إلى دمشق إلى صنعاء، وتحولت دول الخليج تتقدمها قطر في نسج خيوط المؤامرة على سوريا وليبيا ودفعت الأموال الطائلة للإسلام السياسي بقيادة تنظيم الإخوان المسلمين وبدعم تركي غير محدود، ولعل المشهد الحديث بعد ما حدث في الخرطوم.
وها هي عواصم الأقطار العربية السياسية تهرع في تقديم تهاني الفوز لأردوغان حتى قبل أن تعلم هيئة الانتخابات الرسمية نتيجة الاقتراع في محاولة سخيفة ومستهجنة، يتقدمها أمير قطر وعبد الحميد دبيبه وقيادات الإخوان المسلمين وتنظيم حماس وغيرها من التنظيمات الإرهابية، علما بأن هذا الفوز يأتي بنتيجة هزيلة ومتقاربة جدا مع مرشح المعارضة الذي اتهم أردوغان بإدارة العملية الانتخابية بمؤسسات الدولة التي يجب أن تكون حيادية وبعيدا عن استغلالها لصالح الطرف الحكومي، وبعد 20 سنة من حكم الإخوان، وتربع أردوغان على السلطة الأحادية، حيث شرعن نظام الحكم لصالحه بتحول ذلك إلى نظام رئاسي، وأكثر من ذلك عدل فترات حكم الرئيس من دورتين إلى ثلاث دورات، وبذلك ستكون سنوات حكمه القادمة هي محصلة بمثابة تحقيق التدخل الخارجي والحروب الخارجية في شمال العراق وشمال وشرق سوريا والعدوان على ليبيا واستغلال المهاجرين السوريين بالزج بهم في هذه الحروب والعداوات وتحويل ملايين السوريين إلى عمالة مهانة في الأنشطة الاقتصادية التركية واستغلالهم لدى الاتحاد الأوروبي إلى عامل ابتزاز بالمليارات وتهديد الدول الأوروبية الجارة باستعمالهم كعامل ضغط لفتح الطريق أمام دخولهم لتلك البلدان.
كما أن بفوزه في الانتخابات تحصد تركيا سنوات من تراكم الديون الخارجية، حيث بلغت 230 مليار دولار، وتكون خدمة هذه الديون 80% من الدخل العام، وانهيار الليرة إلى وضع لم تعد ميزانية الدولة قادرة على تحمل العبء الناتج عن السياسات الاقتصادية والمالية التي لم يعد يتحملها الشعب التركي، كما أن الصراع في الجنوب مع مكونات الأكراد والحروب التي تدار خارج الأرض التركية وسياسة المعايير المتناقضة مع روسيا والغرب ستطيح برغبة تركيا في التسريع للانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة التي ترفض مؤسسات هذا السوق إعطاء مزيد من الحوافز للصناعات التركية بالإضافة السجل السيئ لتركيا في ظل حكم أردوغان في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة، بالإضافة إلى السياسة العدائية التي ينتهجها أردوغان تجاه قبرص واليونان وتهديده المستمر بضرب الجزر اليونانية بالمسيرات غير المأهولة والاستفزازات التي يطلقها في التنقيب على الغاز في المناطق البحرية للدول الأخرى، فهذه في مجملها ستمكن المعارضة من دور يعطل أي محاولة لأردوغان لإيجاد حلول لمشاكل تركيا، سيما في ظل الفشل الاقتصادي مع الآثار المترتبة عن الزلازل والمشاكل الخارجية بما فيه الحرب في أوكرانيا والفساد والبطالة والصراع السياسي على السلطة الذي ستشهده تركيا بعد المكاسب التي تحققت للمعارضة التي أصبحت تهدد الوجود السياسي والاجتماعي التركي لحزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان.