ملفات وتقارير

اختراق الهدنة والدعوة لتسليح العسكريين المتقاعدين يشعل فتيل الصراع السوداني

أمريكا تمول جماعات مسلحة منها الدعم السريع بــ 140 مليون دولار

متابعات – الموقف الليببي
هدنة برعاية سعودية أمريكية لوقف نزيف الدم بين المتصارعين في السودان، «الجيش السوداني وقوات الدعم السريع»، ولكن سرعان ما تحولت الهدنة إلى أكذوبة، ولم يحترمها طرفا النزاع، وأثبت الواقع أنها كانت خدعة لإخراج الرعايا الأجانب من مناطق الاشتباكات.
والواقع يؤكد أن الدول الغربية هى المتدخلة بشكل مباشر فى إدارة الصراع، وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل، كما تدخلت سابقا فى تقسيم السودان إلى دولتين.. والهدف الآن تقسيم السودان إلى دويلات وجعله بؤرة للتوتر، والهدف الأساسي هو الضغط على ليبيا ومصر، وتهديد أمنهما.
تطور الأحداث ينذر بحرب أهلية خاصة بعد إعلان الجيش السوداني في بيان يوم الجمعة قبل الماضي جاء في نصه: «إننا نهيب بكل المحالين إلى التقاعد في القوات المسلحة من ضباط وضباط صف وكل القادرين على حمل السلاح، بالتوجه إلى أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم تأمينا لأنفسهم وحرماتهم وجيرانهم وحماية لأعراضهم”. وقال بيان الجيش إن هذه الحرب «هي حرب مدن لا حدود زمنية لها».
ولعل من أهم الملاحظات التي تدل على خطر الحرب الأهلية، أنه رغم اتفاق جدة للهدنة يوم 20 مايو الماضي بين الطرفين بوساطة أمريكية – سعودية، الذي امتد على مدى أسبوع، تم تمديده بعد ذلك لأيام خمسة، بدا حتى اليوم قبل الأخير منه يعكس ممارسات عنيدة بين الطرفين لخرق الهدنة، فيما ظهرت اتجاهات خطرة يخشى معها أن تتحول الحرب إلى أهلية.

بيان الجيش السوداني
ورأى محللون أن عبارة «وكل القادرين على حمل السلاح» في بيان الجيش السوداني تفهم بوضوح على أنها نداء لفئات أخرى غير العسكريين المتقاعدين من قوات الشعب المسلحة، الأمر الذي يعكس لنا أنها قد تنطوي على دعوة مضمرة لتسليح المدنيين.
ويأتي هذا في ظل ورود أنباء عن بيان آخر ظهر بصورة خطية لدى بعض المصادر الصحافية لوزير الدفاع، لا يتضمن عبارة: «وكل القادرين على حمل السلاح»، وهي العبارة الموجودة في البيان الذي نشرته مواقع إخبارية وصحف عدة، إلى جانب ذلك دعا حاكم دارفور مني أركو مناوي أهل دارفور كافة إلى حمل السلاح لحماية أنفسهم.
وأثارت دعوة الجيش السوداني «كل القادرين على حمل السلاح» إلى الحصول على سلاح من الجيش، بمن في ذلك العسكريون المتقاعدون، مخاوف واسعة من تصاعد المواجهة مع قوات الدعم السريع، رغم استمرار الهدنة المبرمة بوساطة سعودية وأمريكية، ولم تمنع الهدنة اندلاع معارك عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، في دارفور غربي البلاد.
وتخوّف محللون ومواطنون سودانيون من تداعيات دعوة الجيش السوداني على مستقبل الصراع خلال الفترة المقبلة، معتبرين إياها “سلاحًا ذا حدين”، إذ من ناحية تساهم في تأمين المواطنين وممتلكاتهم، لكن على الجانب الآخر ترفع من منسوب العنف الداخلي.
وقال وزير الدفاع السوداني المكلف، الفريق ركن ياسين إبراهيم ياسين، في بيان: إن خطوة تسليح العسكريين تأتي بسبب تمادي قوات الدعم السريع في «إذلال رموز الدولة من الأدباء والصحفيين والقضاة والأطباء، وأسرهم ومطاردة والقبض على معاشيي القوات النظامية».
ويأتي هذا النداء فيما أسفرت المعارك التي اندلعت منذ 15 أبريل الماضي بين الجيش، وقوات الدعم السريع، عن مقتل أكثر من 1800 شخص، وفق منظمة “أكليد” غير الحكومية.
اتساع نطاق الحرب
ورأى سياسيون أن هذا القرار صدر لأول مرة من وزير الدفاع السوداني بعد صمته منذ اندلاع الحرب، ويشمل المتقاعدين من القوات المسلحة، و”كل من له قدرة على حمل السلاح”، وهي عبارة تعني فتح باب التجنيد الاختياري للجميع بما يعني اتساع نطاق الحرب.
ورأوا أن هذا القرار جاء بسبب تحول المعارك إلى حرب المدن التي لا حدود زمنية لها، كما ورد في نص القرار، بما يعني أن القوات المسلحة تحاول إسناد دور تكتيكي إلى قوات متطوعين تعمل في الأحياء والشوارع لمواجهة تمركز قوات الدعم السريع داخل الأحياء واتخاذها المدنيين دروعًا بشرية.
وقد يكون لهذا القرار تأثير واضح على سير المعارك إذا تولت القوات المسلحة إدارة عمليات مقاومة شعبية منظمة تمنع ارتكاز قوات الدعم السريع داخل الأحياء وبيوت المواطنين، وفي المقابل فإن التوسع في تسليح المواطنين قد يخرج الحرب عن السيطرة ويحولها إلى مشروع حرب أهلية بامتياز.
وقال محللون سياسيون إن استمرار الحرب في السودان بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، التي بلغت مداها من دون أن تحدث تغييرا في الوضع الميداني، ستكون لها تأثيرات كبيرة، وتدفع نحو سيناريوهات عدة، في أعقاب هدنة وقف إطلاق النار التي يتم خرقها باستمرار من قبل الطرفين بحجة الدفاع عن النفس، وتوقعوا التهديد بفرض عقوبات رادعة على الجنرالات الذين يقودون الحرب، ربما تطال حتى أجهزة المؤسسات العسكرية.
ورأى مراقبون أن الموقف الميداني والعسكري لطرفي القتال أفرز «توازن قوى»، ولا يوجد طرف لديه القدرة على المواصلة أكثر من ذلك، وأوضحوا أنه «من غير الوارد أن يحدث تغيير في تلك المعادلة ما لم تتدخل قوى خارجية لزيادة القدرات القتالية لأحد الطرفين، وهذا ما لم تسمح به الإدارة الأمريكية».
وإنه من المرجح أن تعنت طرفي القتال دفع الوساطة إلى طرح وقف قصير لإطلاق النار، أهدافه المباشرة تخفيف الضغط على المدنيين وتمكينهم من الوصول إلى احتياجاتهم، ومن ثم انتقال المفاوضين لمناقشة وقف دائم لإطلاق النار، و«في حال نجاح الوساطة في تحقيق الهدفين، تنتقل المحادثات لبحث جذور المشكلة التي أشعلت الحرب».
فتش عن التدخل الأمريكي
ورأى مراقبون أنه في أي صراع في الشرق الأوسط لا بد من دراسة الفائدة العائدة على الولايات المتحدة وإسرائيل، وهما حتماً مستفيدان من تأجيج أي أوضاع، خاصة فيما يحدث الآن في السودان.
ومن خلال هذا الصراع تسعى الولايات المتحدة إلى منع تقوية روسيا في إفريقيا، وتعطيل مشروع القاعدة اللوجستية الروسية في البحر الأحمر، وإذا أمكن، إضعاف سيادة مصر وإثيوبيا، في هذا السياق، فإنهم راضون تماماً عن الحرب الأهلية، وستبذل الولايات المتحدة كل ما في وسعها لاستمرارها وانتشارها إلى المنطقة بأكملها في المستقبل.
ووفقاً لمعلومات، فإن ممثلي الولايات المتحدة يتفاوضون بالفعل مع مجموعات شبه عسكرية في منطقة أمهرة في إثيوبيا للمشاركة في الصراع إلى جانب حميدتي مقابل 140 مليون دولار.
وبالتالي، يبدو أن المخطط السوري في نهايته، وتوجب على اللاعبين الغربيين قبل إغلاق هذا الملف، إشعال منطقة أخرى، يبدو أنها السودان بموجب كل ما يحدث، فإن الأزمة السورية بكل تفاصيلها انتقلت إلى السودان بكل تأكيد.
إسرائيل ومخاوف وقف التطبيع
ورأى مراقبون أن سعي إسرائيل لمحاولة التوسط لإنهاء القتال في السودان يعكس قلقها الكبير من انعكاسات تواصل الصراع المسلح السلبية على فرص التوقيع على اتفاق تطبيع مع السودان، لاسيما وأن طرفي الصراع مرتبطان بمسار التطبيع.
فقد كانت إسرائيل تأمل أن يتم التوقيع على اتفاق التطبيع مع السودان حتى قبل أن تنتقل السلطة إلى القوى المدنية. ومما يشي بعمق رهان تل أبيب على التطبيع مع السودان، كشف تقارير صحفية صهيونية قبيل تفجر المواجهات بين البرهان وحميدتي أن حكومة الإرهابي نتنياهو وإدارة الرئيس جون بايدن حاولتا إقناع السودان بالانضمام إلى منتدى “النقب”، الذي يضم إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، كلا من مصر والإمارات والمغرب والبحرين.
وحسب التقارير، فقد تحرك الإسرائيليون والأمريكيون بالفعل لإقناع القيادة العسكرية السودانية بالمشاركة في اجتماع وزراء خارجية دول منتدى النقب الذي كان مقررا أن يعقد في الرباط شهر مايو.
وقد راهنت إسرائيل على اتفاق التطبيع في منحها مكاسب إستراتيجية وأمنية واقتصادية هائلة، حيث رأت أن الاتفاق يمكن أن يمهد لمنحها موطئ قدم في السودان، بحيث تتحول الخرطوم إلى قاعدة انطلاق للعمل الدبلوماسي والأمني والأنشطة الاقتصادية الإسرائيلية في عمق القارة الإفريقية.
صراع بين القبائل
ورأى سياسيون أنه يجب اعتبار التناقضات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في كثير من النواحي صراعاً بين الجنجويد السابقين من قبيلة الرزيقات، الذين يهيمنون في جنوب وغرب السودان، والقبائل العربية في شمال شرق البلاد، التي منها تشكيل النخبة العسكرية الحالية.
ورأوا أن الجنجويد قوات عربية كانت في حالة حرب مع القبائل الزنجية على أراضي المراعي لسنوات عديدة، حيث أظهرت المجموعة شبه العسكرية نفسها خلال نزاع دارفور عام 2003.
ثم دعم الرئيس المخلوع عمر البشير عناصر الجنجويد في محاربة الجماعات الانفصالية من قبائل الزنجية الفور والزغاوة والمساليت، بالإضافة إلى ذلك، وبدعم من السلطات، عزز الجنجويد نفوذهم في المنطقة وفي عام 2013، ظهرت قوة الدعم السريع من بينهم.
في ذلك الوقت أصبح أحد أبرز قادة الميليشيا، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قائداً لقوات الدعم السريع، ووقت الإطاحة بعمر البشير، أصبحت قوات الدعم السريع بالفعل قوة جادة، مساوية في أعدادها للجيش السوداني، وبالتالي فاقمت هذه الحقيقة التناقضات الموجودة بالفعل داخل القبائل العربية.
سلاسل تصدير الذهب
كما سيكون لتطورات الوضع على الأرض تأثير على بعض الدول العربية المهتمة بالحفاظ على سلاسل تصدير الذهب السوداني والحفاظ على الاتصال مع كل من البرهان وحميدتي.

زر الذهاب إلى الأعلى