مقالات الرأي

قضاء لبنان على المحك

بقلم الدكتور نجمي الصاوط

يعيش لبنان اليوم يوما استثنائيا بعد ان قررت السلطات القضائية الافراج المشروط عن هانيبال معمر القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل مقابل كفالة مالية ضخمة بلغت احد عشر مليون دولار امريكي مع فرض حظر سفر لمدة شهرين وهي الخطوة التي احدثت جدلا واسعا في الاوساط القانونية والسياسية والحقوقية داخل لبنان وخارجه هذه القضية التي استمرت لما يقارب عشر سنوات من الاحتجاز دون ادانة واضحة وضعت القضاء اللبناني من جديد امام اختبار حقيقي امام الرأي العام المحلي والدولي

بدأت فصول القصة في ديسمبر عام الفين وخمسة عشر حين اختطف هانيبال القذافي في الاراضي اللبنانية على يد مجموعة مسلحة طالبت بمعلومات حول مصير الامام موسى الصدر ثم سلمته الى السلطات الرسمية ومنذ ذلك التاريخ ظل محتجزا دون تقديم ادلة قانونية قاطعة على تورطه في القضية ورغم المطالبات المتكررة من الحكومة الليبية والمنظمات الدولية بضرورة اطلاق سراحه فان الملف بقي رهينة التجاذبات السياسية والطائفية

طوال فترة احتجازه تعرض هانيبال القذافي لضغوط نفسية وصحية بالغة وخاض اكثر من اضراب عن الطعام احتجاجا على احتجازه غير القانوني الامر الذي ادى الى تدهور حالته الصحية واثار موجة استنكار واسعة من منظمات حقوق الانسان التي اعتبرت استمرار اعتقاله تعسفيا ومخالفا لكل المعايير الدولية للعدالة وحقوق الانسان

وجاء قرار اليوم ليعيد فتح النقاش من جديد حول استقلالية القضاء اللبناني وقدرته على اتخاذ قرارات بعيدة عن التأثيرات السياسية والطائفية فبينما اعتبر البعض الافراج المشروط خطوة نحو الحل رأى اخرون انه شكل من اشكال المساومة السياسية لاسيما ان الكفالة المالية التي فرضت عليه تجاوزت المنطق والعدالة وتحولت الى عقوبة مالية لا اساس لها في القانون

الحكومة الليبية رحبت بالخطوة لكنها شددت على ان الافراج المشروط لا يكفي ودعت الى اطلاق سراحه الكامل دون قيد او شرط مؤكدة ان استمرار تقييد حريته يمثل انتهاكا واضحا للقانون الدولي وطالبت المجتمع الدولي بممارسة الضغط على السلطات اللبنانية لانهاء هذا الملف بشكل نهائي وعادل

ان قضية هانيبال القذافي اليوم تمثل اختبارا حقيقيا لضمير القضاء اللبناني الذي يواجه ازمة ثقة متصاعدة في ظل ما يعانيه من تدخلات سياسية وضعف في استقلالية قراراته فاما ان يثبت نزاهته باطلاق سراح الرجل بشكل كامل ويعيد الاعتبار الى العدالة واما ان يظل رهينة للمساومات والصفقات التي شوهت صورة القضاء في لبنان

الافراج بكفالة قدرها احد عشر مليون دولار لم يكن قرارا عاديا بل محطة فاصلة كشفت حجم التحديات التي تواجه العدالة اللبنانية وبينت ان الاصلاح الحقيقي يبدأ من داخل المؤسسات القضائية نفسها لان بقاء هانيبال القذافي اسيرا رغم براءته القانونية يعني ان لبنان لا يزال يراوح مكانه في دوامة السياسة والضغوط وان القضاء اللبناني يقف اليوم على المحك بين العدالة والانحراف بين الحق والمساومة وبين ضمير القانون وسلطة النفوذ

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى