مقالات الرأي

نحو مبادرة وطنية!

بقلم/ مصطفى الزائدي

انقضت فترة الشهرين التي حددتها السيدة حنّا تيته في خريطة طريقها لحل الأزمة الليبية، والتي تبنّاها – كالعادة – مجلس الأمن الدولي، وقد حددت الخريطة ثلاث مهام ينبغي إنجازها خلال هذه المدة، وهي إعادة تنظيم المفوضية العليا للانتخابات، وصياغة قوانين انتخابية جديدة توافقية، وتشكيل حكومة واحدة تشرف على إجراء الانتخابات في غضون 18 شهرًا.

المرحلة الأولى من هذه الخريطة كان من المفترض أن تُستكمل قبل 15 أكتوبر. لكن، قبل يومين فقط من هذا التاريخ، لم يتغير شيء يُذكر. ما زلنا أمام نقاشات هامشية دون مخرجات واضحة حول قانون الانتخابات، إضافة إلى طرح فكرة تغيير المفوضية العليا ضمن نقاشات مجلسي النواب والدولة المستمرة منذ سنوات حول المناصب السيادية. وكما هو الحال دائمًا: “كلٌ يغني على ليلاه”!.

بل إن إعادة تدوير أسماء مرشحين لرئاسة حكومة “موحدة” قد توحي للمتابع أن هذه الحكومة ستُشكَّل غدًا!

وفق ما فهمناه من خريطة الطريق التي طرحتها السيدة تيته، فإنه مع منتصف أكتوبر كان ينبغي أن تكون القوانين الانتخابية قد أنجزت وأن تُشكَّل المفوضية، وأن تستلم حكومة جديدة السلطة لتبدأ مباشرةً فترة الإعداد للانتخابات الرئاسية والنيابية المتزامنة.لكن لا شيء من ذلك تحقق، ولا حتى ما يوحي بأنه قد يتحقق في المدى المنظور!

كنت أتوقع هذا من البداية، وكتبت عنه في حينه، وقلت – وأكرر اليوم – إن ما يجري ليس إلا حلقة جديدة في دائرة مفرغة، فُرض علينا أن نخوض فيها ماراثونًا بلا نهاية، ولن تؤدي إلى أي شيء.فالأطراف المتحكمة في المشهد الليبي، سواء المحلية منها أو الدولية، ليست في وارد تقديم حلول جادة، رغم أن الأزمة – في جوهرها – ليست بذلك التعقيد. الخلافات بين الأطراف هي خلافات على الهوامش، لا على الأساس، وهي مجرد انعكاس لصراع مصالح، ليس إلا.

الحقيقة أن ما يسمى “المجتمع الدولي” – الذي يعني فعليًا الولايات المتحدة وبعض حلفائها الغربيين – لن يتنازل عن صلاحياته المكتسبة في إدارة الدولة الليبية، عبر أدوات ومؤسسات تافهة يصنعها لتحقيق مصالحه وأهدافه.ولأجل ذلك، يسعى إلى إظهار شكل من أشكال “الاستقرار” كي يتمكن من تنفيذ خططه، وفرض سيطرته على ليبيا، ونهب مواردها واستباحة أرضها.

يمكن اختصار المخطط الغربي في ليبيا في أمرين أساسيين، الأول تقسيم ليبيا إلى دويلات يسهل إدارتها والتحكم بها، والثاني استخدام أراضيها الواسعة ومواردها الكبيرة لتوطين ملايين المهاجرين من دول العالم الثالث، تحقيق هذه الأهداف لا يتم إلا من خلال إضعاف ليبيا بشكل دائم، وإشعال فتن جهوية ومذهبية وعرقية مستدامة داخل المجتمع الليبي، وفرض تغيير ديموغرافي جوهري، بحيث تُصبح الدولة الليبية كيانًا سكانيًا غريبًا عن التركيبة الأصلية لشمال أفريقيا، وخلق حاجز بشري يفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه.

ما يستحق الانتباه هو تلك المبادرات التي تطلقها بعض النخب السياسية الليبية، التي تتوهم أنها قادرة على تغيير تفكير ما يُسمى “المجتمع الدولي” بإقناعه بإدراج بعض المعطيات الوطنية في خططه.

ورغم تقديري لهذه الجهود والنقاشات، فإنني أراها مجرد أوهام لا أكثر. فالغرب لا يبحث عن حلول – كما أوضحت – بل يسعى فقط إلى صناعة الظروف التي تمكنه من إدارة ليبيا كيفما شاء.وصار من الواضح أن تركيزه ينصب على احتكار تشكيل السلطة، من خلال اختراع لجان حوار تضم عددًا محدودًا من الليبيين الذين يختارهم الغرب بعناية، ويثق فيهم كأدوات طيّعة لتنفيذ مشاريعه.وما يجري الإعداد له هذه الأيام، هو إعادة نفس الفيلم القديم، دون تغيير يُذكر، رغم محاولات النخب تغيير طبيعة تشكيل وآلية عمل لجان الحوار المتوقعة.

في تقديري، فإن لجنة حوار تيته – التي ستخرج بذريعة فشل مجلسي النواب والدولة في تنفيذ المرحلة الأولى (تغيير المفوضية، صياغة قوانين انتخابية، تشكيل حكومة موحدة) – لن تختلف عن لجان الحوار السابقة: لا عن لجنة “ستيفاني/غسان”، ولا عن لجنة ليون.

وأكاد أجزم مسبقًا أن معظم أعضائها سيكونون نفس الأسماء، والسبب بسيط: الغرب لم يعد بحاجة إلى تغطية نواياه أمام الليبيين. فقد تمكن من السيطرة على مفاصل الدولة، ونجح في تقسيم المؤسسات، وخلق حالة من الانتظار الممل طويل الأمد، أنهكت قوى الليبيين، ودَفعتهم إلى القبول بأي شيء.

من المهم التذكير بأن أحد أهداف ما سمي بالربيع العربي كان تفريغ السلطة من قيمتها، وتمكين أشخاص تافهين من تصدّر الصفوف، وتحويل الخطاب السياسي إلى حديث في مسائل هامشية وتافهة، بعيدة عن جوهر الأزمات التي تعصف بالمنطقة.

الأزمة الليبية – كما ذكرت مرارًا – ليست معقدة، ويمكن الخروج منها بسهولة ويسر، وبدون دماء أو خسائر كبيرة إذا قارنا بين حجم الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بليبيا منذ 2011، وبين التضحيات المطلوبة لإعادة بناء الدولة بجهد وطني صادق، بعيدًا عن العبث الأجنبي.

من المهم تذكير النخب الليبية بهذه البديهيات السياسية، ودعوتها إلى الابتعاد عن تضييع الوقت وبذل الجهد في مسارات لا تؤدي إلى نتيجة.

المبادرة الجدية التي ننتظرها من النخب، يجب أن تفكر خارج الصندوق وتنطلق من إيمان عميق بأننا – نحن الليبيين – قادرون على الفعل والتغيير، وأن خلافاتنا سطحية، ناتجة عن حقد مصطنع وتجهيل متعمّد مارسه الأعداء علينا، جميعًا دون استثناء.

زر الذهاب إلى الأعلى