داخل اللحظة الحاسمة

بقلم/ محمد علوش
في خضم الظلام المتراكم على مدى عامين من القصف والدمار، ومن تحت ركام المدن والبلدات التي أُحرقت بنار العدوان، يقف شعبنا الفلسطيني اليوم عند مفترق طريق خطير، داخل لحظة حاسمة، يتشكل فيها المصير، وتصاغ فيها معادلات البقاء والكرامة، أو السقوط في مستنقع التفتت والتيه.
عامان من العقاب الجماعي لم يكونا مجرد زمن يعدّ على إيقاع الألم، بل كانا مشروع إبادة مكتمل الأركان، مارسه الاحتلال الإسرائيلي بأدواته العسكرية والسياسية، وبتواطؤ فاضح من الإدارة الأمريكية، التي لم تكتف بالدعم السياسي والمالي والعسكري، بل تبنّت رواية القاتل وغطّت جريمته أمام أعين العالم.
لقد حاولت آلة الحرب الهمجيّة أن تكسر إرادة هذا الشعب، وأن تجهز على ما تبقّى من أمل في صدور الأطفال، وأن تزرع الخوف في الملامح، وتطفئ جذوة الحياة في الأزقة، لكنها فشلت، فشلت لأن جذور هذا الشعب أعمق من أن تقتلع، ولأن جذوة الوعي أقوى من كل أدوات التضليل والتزييف، ولأن إرادة الحياة عند شعبنا البطل أقوى من منطق الموت.
إن ما نشهده اليوم هو لحظة اختبار للوعي الجمعي، ولقدرة شعبنا على إعادة تعريف ذاته الوطنية في ضوء ما تعرض له من محاولات سلب وتصفية، وهي لحظة تتطلب أكثر من مجرد صمود فردي أو موقف عابر؛ إنها تتطلب توحيد الكلمة، وتغليب المصلحة الوطنية على ما دونها من اعتبارات فئوية أو حزبية.
ليس الصمود مجرد حالة عاطفية أو انفعال لحظي، بل هو خيار استراتيجي، يتجلى في استمرار النضال، وفي حماية النسيج المجتمعي، وفي تعزيز صلابة الموقف السياسي الذي يرفض الخضوع ويقاوم محاولات الإملاء والابتزاز، وإن الصمود الحقيقي لا يكتمل إلا في ظل وحدة وطنية متينة وراسخة، تحصّن الداخل وتربك حسابات الخارج، فالاحتلال، الذي يبني كل مخططاته على فرضية الانقسام وإدامته، يدرك أن وحدتنا هي التهديد الحقيقي لمشروعه، وأن إعادة بناء جبهتنا الداخلية تفقده عنصر التفوق الذي طالما استند إليه، والإدارة الأمريكية، التي تموّل العدوان وتوفر له الغطاء السياسي، تراهن على تفككنا، لا على صلابتنا.
من هنا، فإن تعزيز الصمود وتكريس الوحدة الوطنية ليسا ترفًا سياسيًا ولا شعارًا نظريًا، بل هما ضرورة وجودية، ومعركة موازية لا تقل أهمية عن تلك التي تخاض في الميدان، إنها معركة الوعي، معركة الرؤية، ومعركة استعادة القرار الوطني من براثن الهيمنة والتبعية، وفي هذه اللحظة الحاسمة، لا بد من التمسك بالحقيقة، أن الحق لا يمنح، بل ينتزع، وأن العدالة لا تأتي من أبواب مجلس الأمن والمؤسسات الدولية ولا من تصريحات العواصم الباردة، بل تصنع على الأرض، بصمود من لم تنكسر كرامته رغم الجوع والحصار، وبإرادة من آمن أن فلسطين لا تحرّر إلا بوحدة شعبها، وقوة موقفها، وعدالة قضيتها.
إنها اللحظة التي لا تحتمل التردد، ولا تقبل التأجيل، فإما أن نكون أو نكون، نكون شعبًا يعيد صياغة قدره، أو أن نظل أرقامًا في سجلات الموت.