مقالات الرأي

ترامب.. والعالم في كهفٍ من العبث!

بقلم/ عبد الله ميلاد المقري

الغريب في الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه، رغم انشغاله بإدارة أكبر دولة في العالم، لها من الأعمال الشاقة في القضايا المحلية وما تحمله من انشغالات تتعلق بمجالات الاجتماع والاقتصاد والطاقة ومسائل الهجرة والبطالة والمخدرات والقضايا الأمنية التي تتسع في بعض الولايات تكاد تصبح شأنا آخر يهدد الحياة الاجتماعية بالإضافة إلى القضايا الخارجية بما فيها التلويح بغزو فنزويلا وبنما والتشابك بين مصالح أمريكا والعلم الخارجي يجد متسعًا من الوقت لتوزيع تصريحاته العنصرية وتغريداته العدوانية. ففي كل مرة يظهر فيها على الإعلام، يلوّح بالتهديد والدمار، كما فعل مؤخرًا حين هدّد حركة حماس بالإبادة إن لم تقبل بشروطه التي تخدم الكيان الصهيوني، وكأن العالم بات رهينة مزاج رجلٍ لا يعرف سوى لغة القوة والابتزاز السياسي، والأغرب أن ترامب، في الوقت ذاته، يتابع تفاصيل خطط الاختباء في أضخم كهف تحت الأرض أُعِدّ للرئيس الأمريكي في حال اندلاع حرب نووية! في مشهدٍ سريالي يجسّد الخوف الذي يسكن صانعي الحروب أكثر من ضحاياها، فبين تهديداته المتكررة وادعاءاته المتناقضة، يبدو أن النظام الأمريكي نفسه يعيش أزمة أخلاقية عميقة لا تقل خطرًا عن أسلحته النووية.

المفارقة أن هذا العبث الدولي يوازيه مشهد محلي لا يقل غرابة في ليبيا، حيث يعيش الاقتصاد الوطني تحت وطأة قرارات مالية ارتجالية وممارسات فاسدة جعلت المصرف المركزي بؤرةً للأزمات بدل أن يكون صمام الأمان المالي للبلاد. فمديره، الذي يفترض أن يحمي الاقتصاد، أصبح يهدد التجار الذين وُلدوا من رحم اعتمادات الفساد نفسها التي صنعها من تولوا إدارة المصرف بعد النكبة هم ومن حولهم، لقد تحوّل المصرف إلى أداة لتكريس التفاوت الطبقي ونهب المال العام، تعجز المؤسسات الرقابية المتصارعة مع بعضها، وقادتها يدفعون في أن تكون مدة إدارتهم لهذه المؤسسات مطلقة يمنع إقالتهم منها مهما كانت مفاسدهم بحجم جبال تيبستي، بينما المواطن يواجه شبح الغلاء وانهيار القيمة الشرائية دون بارقة أمل في إصلاح قريب، العالم إذن يعيش زمن العبث: رئيسٌ يهدد بالإبادة النووية، ومصرفٌ يبدّد ثروات أمةٍ بأكملها. وبين هذا وذاك، تبقى الحقيقة الوحيدة أن الشعوب هي من تدفع الثمن دائمًا، وأن ليبيا تحتاج اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى إلى صحوة وطنية تُعيد للعقل مكانته، وللوطن كرامته.

زر الذهاب إلى الأعلى