مقالات الرأي

السلع الأساسية في ليبيا: أزمة الأسعار وضرورة رقابة صارمة

بقلم/ أمل محمد عبد الملك

يشهد سوق السلع الأساسية في ليبيا ضغوطًا متزايدة على المواطنين، ولا سيما الفقراء والطبقة الوسطى، في ظل ضعف الرقابة على السياسات التجارية. يتحمل المواطن البسيط العبء الأكبر من ارتفاع الأسعار، فيما يستفيد عدد من التجار المسيطرين على استيراد هذه السلع من فرص الاحتكار ورفع الأسعار بما يتجاوز مستويات الربح الطبيعية.

تستورد ليبيا نحو 85% من احتياجاتها الاستهلاكية من الخارج، ووفقًا لبيانات مصرف ليبيا المركزي فقد بلغت الاعتمادات المستندية خلال العام 2024 نحو 12.95 مليار دولار، شملت الدقيق، السكر، البقوليات، الشاي، الموز، إضافة إلى مواد البناء والأجهزة الكهربائية.

ورغم استمرار بعض أشكال الدعم الحكومي، ارتفعت أسعار السلع تدريجيًا مقارنة بدخل المواطنين، ما يعكس فجوة واضحة بين القدرة الشرائية والضغوط التضخمية، ولم يعد تأثير ذلك مقتصرًا على الفقراء فقط، بل شمل الطبقة الوسطى التي اضطرت إلى تقليص الإنفاق على احتياجاتها الأساسية.

أوضحت تقارير مصرف ليبيا المركزي أن الإنفاق الاستهلاكي بين عامي 2021 و2023 بلغ نحو 420 مليار دينار، وهو ما أرهق قدرة الدولة على الإنفاق التنموي، وساهم في زيادة الضغوط على سعر صرف الدينار، مؤثرًا مباشرة في تكلفة الاستيراد. ويظل الاستقرار النقدي وسعر الصرف من أهم الأدوات لضبط التضخم ورفع القدرة الشرائية للمواطنين.

شهدت الفترة بين 2024 و2025 ارتفاعات متفاوتة في الأسعار، إذ ارتفع سعر دقيق القمح بنسبة 37% نتيجة زيادة تكاليف التوريد والشحن العالمية والتعديلات التي طرأت على سعر الصرف، بينما زادت أسعار المعكرونة بنحو 16% لاعتمادها على المواد المستوردة. كما شهدت الزيوت النباتية ارتفاعًا تراوح بين 2% و16% حسب بلد المنشأ، في حين ارتفع السكر بنسبة تتراوح بين 5% و10%، ومعجون الطماطم بنحو 10% للصندوق. أما أسعار الأرز فبقيت شبه مستقرة مع فروقات طفيفة بين المناطق.

على المستوى العالمي تشير تقارير برنامج الأغذية العالمي إلى أن السلة الغذائية الدنيا ارتفعت بنسبة تراوحت بين 0.7% و8% شهريًا خلال عام 2025، ما يعكس ضغوطًا تضخمية معتدلة لكنها مستمرة، تؤثر تدريجيًا في مستوى المعيشة وتزيد من اتساع الفجوة الاجتماعية في المدن الكبرى.

في ظل هذه الأوضاع، تصبح الرقابة الصارمة على الأسعار ضرورة وطنية للحد من الاحتكار وضمان توزيع عادل للموارد. كما يبرز الدور الحيوي في دعم الإنتاج المحلي وتفعيل الجمعيات الاستهلاكية من خلال تمويل جزئي من الدولة أو صناديق التنمية الاقتصادية، بحيث تتحمل الدولة جزءا من سعر التكلفة الإجمالية للسلع الأساسية تحت إشراف مباشر من الإدارات المحلية كالبلديات أو المجالس المحلية. هذا التوجه يسهم في تقليص المركزية وتخفيف الضغط على الميزانية العامة، بما يضمن وصول الدعم إلى الفئات المستحقة ويعزز العدالة الاقتصادية.

لم تعد معالجة أزمة الأسعار خيارًا مؤجلًا، بل ضرورة وطنية عاجلة تتطلب تنسيقًا وثيقًا بين الوزارات المختصة ومصرف ليبيا المركزي لوضع سياسات نقدية وتجارية صارمة تضبط الأسعار وتكبح التضخم.

إن تعزيز الإنتاج المحلي لم يعد مجرد شعار اقتصادي، بل شرطا أساسيا لحماية الأمن الغذائي واستقرار الدينار، وتمهيد الطريق نحو اقتصاد منتج ومستقل يقلل من الارتهان للأسواق الخارجية، ويضمن للمواطن حياة كريمة في بيئة اقتصادية مستقرة ومتوازنة.

زر الذهاب إلى الأعلى