مخاطر المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية

بقلم/ محمد علوش
تواجه القضية الفلسطينية اليوم واحدة من أخطر لحظاتها منذ نكبتها الكبرى، إذ تحاك ضدها مشاريع أمريكية وإسرائيلية لا تستهدف سوى تصفية مشروعها الوطني، واجتثاث حق شعبها في الحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة، ونحن أمام مرحلة يختلط فيها الدم بالسياسة، ويراد للأرض أن تبتلع في الضفة والقدس، ولغزة أن تركع تحت نار الحرب والحصار، في محاولة لفرض وقائع لا تعكس سوى منطق القوة والهيمنة الغاشمة.
المشاريع الأمريكية التي تقدَّم لنا بلبوس “الإعمار” أو “الترتيبات الانتقالية” أو حتى “حل الدولتين” وفق المنظور الإسرائيلي، ليست سوى خدع سياسية هدفها إعادة صياغة الصراع الفلسطيني على قاعدة باطلة، أن المشكلة إنسانية أو إدارية وليست استعمارًا استيطانيًا إحلاليًا، فبدلًا من الانسحاب الكامل ووقف الاستيطان، يسعى هؤلاء إلى الالتفاف على جوهر القضية، بفرض وصايات على غزة، وتكريس الاحتلال في الضفة، وترك القدس أسيرة للتهويد والمصادرة.
لقد أثبت التاريخ أن الولايات المتحدة لم تكن يومًا وسيطًا نزيهًا، بل شريكًا استراتيجيًا للاحتلال، وما يجري اليوم ما هو إلا حلقة جديدة في هذا المسار، إخضاع الحركة الوطنية الفلسطينية لشروط سياسية وأمنية تضمن بقاء إسرائيل متفوقة، وتجريد الفلسطيني من مشروعه التحرري، ومنع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
في الضفة الغربية، ينفلت الاستيطان كوحش جائع يلتهم ما تبقى من الجغرافيا الفلسطينية، يصادر الأرض، ويهدم المنازل، ويشرّد العائلات، ليفرض منظومة متكاملة تفصل المدن والقرى وتربطها بشبكات عنصرية للمستوطنين، والعالم يكتفي ببيانات شجب باهتة، فيما جرافات الاحتلال لا تعرف سوى لغة الخراب.
أما القدس، القلب النابض للهوية والروح الفلسطينية، فتعيش تحت سيف التهويد، وطرد قسري، وهدم بيوت، ومصادرة أراضٍ، واعتداء يومي على المسجد الأقصى الذي يتعرض لاقتحامات متكررة في إطار مخطط للتقسيم المكاني والزماني، ووحدهم المقدسيون يواجهون آلة القمع والإبعاد، فيما تفرض على مدينتهم معركة ديمغرافية شرسة يراد لها أن تغيّر ملامحها العربية والإسلامية.
وفي غزة، تكتب فصول المأساة الأكبر، حرب إبادة تدمّر الحجر والبشر، وملايين المشرّدين، وعشرات آلاف الشهداء والجرحى، وبنية تحتية تحوّلت إلى ركام، ومع ذلك، تصرّ الإدارة الأمريكية على التبرير والتغطية، وتطرح خططًا لما بعد الحرب تبقي الاحتلال مسيطرًا، بشكل مباشر أو عبر وكلاء، وإن جوهر هذه الخطط ليس الإعمار ولا تحسين حياة الناس، بل كسر إرادة الصمود وتجريد غزة من بعدها الوطني المقاوم.
إن أخطر ما تواجهه قضيتنا هو محاولات تحويلها من قضية تحرر وطني إلى قضية “إغاثة” أو “إعمار”، اختزالها في أرقام المساعدات بدل أن تبقى عنوانًا للنضال والحرية، وهذا التوجه إنما يستهدف قتل الروح السياسية للمشروع الوطني، وتحويله إلى ملف إنساني بارد يخضع لمساومات المانحين وتفاهمات أمنية عابرة.
أمام كل ذلك، ينهض الواجب الوطني، أن نتمسك بثوابتنا، ونستعيد جوهر مشروعنا التحرري الذي لا يقبل القسمة أو المساومة، مشروع إنهاء الاحتلال وإقامة دولتنا المستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين وفق القرار 194، فالصمود الأسطوري في غزة، والتحدي اليومي في القدس والضفة، هما الرد الأبلغ على كل محاولات التصفية.
اللحظة الراهنة لا تحتمل التردد؛ فهي لحظة وحدة وطنية حقيقية، تتجاوز الحسابات الفصائلية الضيقة، وتطلق طاقات الشعب لمقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة، ووحدها إرادة شعبنا، المجبولة بالدم والتضحيات، قادرة على إسقاط المشاريع الأمريكية والإسرائيلية، كما أسقطت من قبل مؤامرات التوطين والتصفية، فقضيتنا ليست شأنًا عابرًا ولا ملفًا إداريًا، بل هي قضية شعب حيّ يتشبث بحقه في الحرية والكرامة، ولن يقبل بأقل من استقلاله ودولته المستقلة.