مقالات الرأي

فن الصياغة القانونية الدقةالتي تصنع الفرق

بقلم/ غادة الصيد

الصياغة القانونية ليست جُملا تُرص على الورق، بل هي أداة حساسة تصاغ بها الحقوق وتبين بها الالتزامات، وترسم من خلالها موازين العدالة بين الأطراف، هي فن لأنها تحتاجإلى مهارة وحسعالٍ بالمعنى وعلم، لأنها تستند إلى أصول وقواعد دقيقة، والمستشار القانوني المتمرس هو من يجمع بين الفهم العميق والقدرة على التعبير الدقيق فيجعل من النصوص أدوات فاعلة في الواقع العملي، لا مجرد إنشاء نظري.

النص المتماسك يبدأ من فكرة واضحة، فالغموض في المعنى لايمكن أن تصلحه براعة الأسلوب.فعلى المستشار أن يحيط بالمسألة القانونية إحاطة كاملة، يحللها ويعيد ترتيب عناصرها قبل أن يحرر عبارته.

لذلك يجب أن تنتقى الألفاظ بوعي، بعيدا عن التعميم المفرط وتتماسك مع المصطلحات المستقرة قانونا.فبين (يجوز) و(يجب) مسافة قد تبدل حكما كاملا، والفارق بينهما ليس لغويا فحسب، بل مصيريا.فالنص القانوني لايحتمل الحشو ولا التكرار،ولايقبل العبارات الفضفاضة التي تربك القارئ، كل كلمة يجب أن تؤدي وظيفة محددة، وكل جملة ينبغي أن تسهم في البناء الكلي للنص دون زيادة أو نقصان.

النص القانوني منظومة عقلية متدرجة يبدأ بالتمهيد، ثم يعرض القاعدة أو الوقائع وينتهي بالحكم أو النتيجة،هذا التدرج المنطقي يجعل النص قابلا للفهم، سهل الرجوعإليه، ويمنع التشتت عند التطبيق، فالصياغة الناجحة هي التي تنسجم مع السياق التشريعي القائم، وتكتب بحيث يمكن تنفيذها دون عوائق أو ثغرات، فالمستشار الواعي يضع نصب عينيه دائما كيف سيقرأ النص، وكيف سيطبق في الواقع؟

كما أن المراجعة المتأنية ليست ترفا، بل هي جزء جوهري من عملية الصياغة يزيل الزوائد ويكمل النواقص، حتى يصبح النص درعا متينا يحمي الحقوق ويغلق أبواب النزاع، فالإبداع في الصياغة لايقاس بزخرفة العبارات، بل بقدرتها على تحقيق العدالة وصياغة الحقوق.

زر الذهاب إلى الأعلى