العلاقات الليبية الإيطالية: من الاستعمار وجهاد المختار إلى تعقيدات التعاون

تحت شعار العلاقات الليبية الإيطالية في الفترة من 1907-2025 انعقد صباح يوم السبت 4/10/2025 الصالون السياسي الذي ينظمه حزب الحركة الوطنية الشعبية في مقره في مدينة بنغازي.
أدار الصالون الأستاذ نصر الله حسن السعيطي مقدمًا ومعرفًا بالأسباب التي دعت إلى عقد هذا الصالون، حيث أشار إلى أهمية تذكير الأجيال بمرحلة الجهاد والتصدي لمحاولات التشويه التي تتعرض لها رموز تلك المرحلة.
ثم قدم أ.د. سالم عبدالله الفلاح أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة بنغازي ورقة بعنوان “عمر المختار رجل ووطن”، استعرض فيها مولد ونشأة عمر المختار باعتباره رمزًا للصمود والاستبسال، ليس فقط في ليبيا، بل امتد تأثيره على الكثير من المجاهدين ضد الاستعمار في المنطقة العربية، ثم عرج على طريقة تنظيم الأدوار وتصميمه على القتال رغم الموازنة العسكرية الصعبة “رأيت أن أخوض غمار الحرب ولا أركن إلى أي محادثات أو واسطة”، وأشار الباحث إلى أهمية الحاضنة الاجتماعية التي آوت وحضنت ودعمت المجاهدين ووفرت لهم الملاذ الآمن بعد كل معركة.
ثم قدم أ.د. فرحات بكار أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة بنغازي ورقة بعنوان “المجندون الليبيون في الحروب الخارجية 1915-1943″، حيث تم الزج بهم في الحرب العالمية الأولى وفي الحرب الإثيوبية 1935-1936 ثم في الحرب العالمية الثانية، حيث بيّن أن الليبيين في الشرق العربي الذين زجت بهم إيطاليا في حربها ضد الحلفاء، لكنهم انضموا في نهاية المطاف إلى قوات الحلفاء وشاركوا في معارك ضد قوات المحور في مصر وسوريا ولبنان وفلسطين، فيما تولى المتطوعون الليبيون الذين كانوا في تونس والجزائر القتال إلى جانب قوات الحلفاء ضد قوات المحور.
ثم تحدث أ.د. ارويعي قناو المجبري أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة بنغازي عن “دور مركز الجهاد سابقة تاريخية في تدوين الجهاد” استعرض فيها المراحل التاريخية التي مر بها هذا المركز حتى وثق كل مراحل الجهاد بالوثائق التاريخية من تركيا وإيطاليا وبريطانيا وبذل جهدا للوصول إلى كل وثيقة أينما كانت ووثق الشعر الشعبي الذي هو ذاكرة العرب وتاريخهم، وسجل آلاف التسجيلات مع المجاهدين في فترة السبعينيات والثمانينيات.
وبعد استراحة قصيرة تم استئناف الصالون وقدم أ.د خالد الزغيبي ورقة بعنوان “الاستعمار الوجودي الإحلالي والإبادة البشرية: الفاشية والصهيونية نموذجًا” استعرض فيها أصل فكرة الاستعلاء، منذ رفض إبليس أمر السجود لآدم، وأصبحت هذه اللحظة التأسيسية للاستعلاء.
وبعد ذلك تحدث الدكتور أحمد البرشة مذكرا أن المستوطنين الإيطاليين استمروا في لعب دور أساسي في ظل الإدارة البريطانية وخاصة في الجانب الاقتصادي الذي اغتصبوه أثناء فترة الاحتلال ولم يتأثر المستوطن الإيطالي في شيء إلا أن الجانب الأمني انتقل للقوات الإنجليزية.
وذكر المتحدث أن معظم التقديرات تشير إلى أن عدد الإيطاليين المتواجدين في ليبيا حتى سنة 1970 يصل إلى نحو 20 ألف مستوطن، وفي 7 أكتوبر من نفس العام، أصدرت الحكومة الليبية قرارًا بمصادرة جميع الممتلكات والمزارع الإيطالية وطرد المستوطنين الإيطاليين المتبقين، عبر أعظم جسر جوي لطرد غزاة، خرج نحو 13000 والبقية عبر البر لتونس أو الجزائر أو مالطا عبر البحر، وأن الأراضي الزراعية الشاسعة التي اغتصبوها خاصة في المناطق الخصبة مثل منطقة الجفارة وضواحي طرابلس وبنغازي، كانت تتمثل في المزارع التي تنتج الزيتون، الحبوب، الفواكه، وغيرها، وامتلكت هذه الجالية 295 مزرعة تقدر مساحتها بـأكثر من 37 ألف هكتار. بعض هذه المزارع كانت تضم أنظمة ري متطورة ومباني مملوكة للدولة سابقًا، وأن من ضمن ما استولى عليه الإيطاليون منازل، وشققا، ومباني تجارية في المدن الرئيسية حيث امتلكوا 211 هكتارا أرضا صالحة لبناء العقارات، و1702 مسكن صحي.
ويبلغ ما اغتصبوه من الشركات والمصانع، خاصة تلك المتعلقة بالصناعات الزراعية (معاصر الزيتون، مطاحن الحبوب) وفي المجال التجاري كان لديهم 266 متجرا، و19 مصنعا، و60 معملا. وأشار الدكتور البرشة أنه في سنوات الثمانينيات رفعت الدولة الليبية القضية للأمم المتحدة وقررتالجمعية العامة بحق الشعب الليبي في التعويض وحقه في الاعتذار.
وقدم المستشار علي منصور العمامي ورقة بعنوان: “الاعتذار الإيطالي لليبيا: محطة من محطات نضال من صنع الكبار”.
كانت معاهدة صداقة وشراكة وتعاون بين ليبيا والجمهورية الإيطالية التي وقعت في بنغازي يوم 30 أغسطس 2008م، وصادق عليها الشعب الليبي في مؤتمر الشعب العام بالقانون رقم (2) لسنة 2009م في 1/3/2009م، وكذلك البرلمان الإيطالي، لتدخل الاتفاقية حيز التنفيذ.
ونصت الاتفاقية صراحة على توفير الاعتمادات المالية اللازمة لتمويل مشروعات البنية الأساسية في حدود (5) مليارات دولار أمريكي، بمعدل ربع مليار دولار أمريكي سنويًا على مدار 20 سنة، وذكر المستشار علي منصور أن الاتفاقية شملت أيضا التعاون في المجالات الاقتصادية والصناعية وفي مجال الطاقة وتطوير البنى التحتية والطيران المدني وبناء السفن وفي مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والصيد البحري والزراعة المائية وإقامة الاستثمارات في المشروعات الصغرى والمتوسطة.
وكان آخر المتحدثين الدكتور عبدالغني العريبي عن التدخل السلبي لإيطاليا في الأزمة الليبية بعد أحداث السابع عشر من فبراير، حيث ذكر أن التدخل الإيطالي في ليبيا بعد 2011 ركز على تكريس حالة الضعف والانقسام بدلًا من المساعدة في تجاوزه، فعلى الصعيد الاقتصادي، ضمنت روما عبر شركة إيني استمرار السيطرة على قطاع النفط والغاز، الأمر الذي أضعف إمكانية تنويع الشراكات الاقتصادية الليبية، وعلى المستوى الأمني، مارست ضغوطًا كبيرة على الحكومات المتعاقبة لقبول اتفاقيات تتعلق بالهجرة غير الشرعية، رغم أن ليبيا ليست طرفًا في اتفاقية اللاجئين لعام 1951. علاوة على ذلك، اتخذت إيطاليا موقفًا انتقائيًا من الأطراف الليبية، فدعمت أطرافًا بعينها وفقًا لمصالحها، ما أسهم في تعميق الانقسام السياسي وأضعف فرص التوصل إلى حل شامل. وذكر الدكتور عبد الغني أن إيطاليا ركزت على ملف الهجرة غير الشرعية، فعملت على عقد اتفاقيات ثنائية مع الحكومات الليبية المتعاقبة (خاصة اتفاق 2017 مع حكومة الوفاق)، الذي نص على دعم خفر السواحل الليبي وتجهيزه لوقف تدفق المهاجرين. غير أن هذا الدعم لم يكن بريئًا؛ إذ ترتب عليه منح شرعية لميليشيات محلية تحولت إلى فاعلين أمنيين واقتصاديين، إضافة إلى ذلك، نشرت روما وحدات عسكرية صغيرة في مصراتة وطرابلس تحت غطاء “الدعم الفني والإنساني”، لكنها عمليًا شكلت وسيلة للتأثير الأمني المباشر.
وفي نهاية الجلسات تم توزيع شهادات مشاركة للإخوة المتحدثين.٨