إضاءات قانونية حول جرائم الموظفين

بقلم/ أسماء الفسي
انتهينا في المقال السابق إلى أنّ من الجرائم التي أصبحت شائعة داخل بيئة العمل هي جريمة الرشوة، التي حوّلت بيئة الوظيفة إلى بيئة ملوّثة، انهار فيها الوازع الديني والأخلاقي قبل الوازع المهني والوظيفي. ومن هذا المنبر، نرى ضرورة تسليط الضوء على جريمة الرشوة بكافة أركانها وأسبابها ومسبباتها وخطورتها وأضرارها، لنقيم الوعي المجتمعي بها ونؤدي دورنا في الوصول إلى بيئة مهنية نظيفة.
أهمية دراسة جريمة الرشوة
الرشوة آفة مجتمعية قديمة قِدم المجتمعات الإنسانية، ولا يكاد يخلو منها أي مجتمع. تعاني المجتمعات من آثارها السلبية التي تمس الفرد والمجتمع والدولة على حد سواء. وتكمن خطورتها في أنّها تقوّض الأخلاق العامة وتؤثر سلبًا على الوظيفة العامة والمصلحة العامة. ومن هنا جاءت أهمية دراستها بوصفها جريمة ذات أثر خطير اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا.
لهذه الأسباب، اهتمت القوانين والتشريعات الجنائية العربية والعالمية بتجريم الرشوة وتقنينها باعتبارها ظاهرة إجرامية خطيرة. ومن بين هذه التشريعات، قانون العقوبات الليبي الذي نصّ عليها في المادة (226) والمعدلة بالقانون رقم (73) لسنة 1975. حيث عرّف المشرّع الليبي الرشوة بأنها:
اتفاق بين موظف عام وشخص آخر على أن يقوم الموظف بأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجباته، مقابل الحصول على فائدة أو ميزة غير مشروعة، سواء أكانت مادية أم معنوية، تعود عليه أو على غيره.
وبعبارة أخرى، هي استغلال الوظيفة أو المنصب لتحقيق مصلحة شخصية، مقابل خدمة أو تسهيل أو امتناع عن واجب وظيفي.
أركان جريمة الرشوة
الركن الأول في هذه الجريمة هو وجود موظف عام. والأصل أن يكون هذا الموظف مختصًا بالعمل الذي قام به أو امتنع عنه مقابل المنفعة غير المشروعة.
الموظف العام – حسب التعريف الضيق في قانون العقوبات – هو الشخص الذي يُعيّن بصفة مستمرة للمساهمة في عمل دائم في خدمة مرفق عام. ويرى بعض فقهاء القانون أنّه لا يهم إن كان الموظف دائمًا أو مؤقتًا (كالعمال الموسميين)، طالما أنّه يقوم بخدمة مرفق عام.
تعريف الرشوة
يمكن تعريف الرشوة بأنها:اتجار الموظف في وظيفته، عن طريق الاتفاق مع صاحب الحاجة على قبول ما يُعرض عليه من فائدة أو عطية، مقابل أداء عمل أو الامتناع عن عمل يدخل في نطاق وظيفته أو اختصاصه.
ومن ثمّ، تفترض جريمة الرشوة وجود شخصين:الموظف المرتشي: وهو من يطلب أو يقبل أو يُوعَد بفائدة مقابل قيامه بعمل أو امتناعه عن عمل من أعمال وظيفته.
صاحب المصلحة (الراشي): وهو من يتقدم بالعطاء أو العرض، ويُقبل عرضه من الموظف.
وتتحقق الجريمة متى قبل الموظف ما عُرض عليه قبولًا صحيحًا، قاصدًا العبث بأعمال وظيفته، حتى وإن لم يكن الطرف الآخر جادًا في عرضه. أما إذا لم يكن الموظف جادًا في قبوله، أو كان تظاهره بالقبول بغرض تسهيل القبض على من يحاول إرشاءه متلبسًا، فلا تقوم الجريمة.