مقالات الرأي

جيل الإنترنت بين العدالة الاجتماعية والاحتجاج الشبكي

بقلم/ د. محمد جبريل العرفي

أول جيل وُلد بعد الثورة الرقمية، يُسمّى جيل (زد)، أعمارهم اليوم بين 14 و34 سنة تقريبًا.

العولمة الرقمية مكّنته من مقارنة أوضاع بلاده مع العالم من حوله، ما شكّل وعيه النقدي، وانعكس على أنماط التفكير وأدوات التعبير.

قاد جيل (زد) بنيبال احتجاجات ضد الفساد، وتردي الخدمات، وغياب العدالة الاجتماعية، مستخدمًا تطبيق ألعاب يُسمّى (ديسكورد)، فأسقط الحكومة.

وبالمغرب أطلق الشباب حركة (gen z212) مستخدمين التطبيق نفسه، لكونه يتميّز بالسرّية، إذ لا يتطلّب رقم هاتف أو بيانات شخصية، ويبقي مجهولًا أمام الأنظمة التي تراقب المحتوى وتهاجمه بلجانها الإلكترونية لتزييف الواقع.

كان المغرب نموذجًا لتدحرج كرة الثلج منذ زلزال الحوز في 9/2023، الذي أدّى إلى وفاة 3000 مواطن وتشريد 3 ملايين. فقارن الشباب حالتهم بضحايا زلزال تركيا بنفس العام، حيث شُيّدت منازل للضحايا في أقل من سنة، بينما ظلّ سكان الحوز في الخيام.

أما الشرارة فكانت وفاة ست سيدات حوامل في أسبوع واحد في مستشفى أغادير (8/2025) نتيجة حقنهن بحقن فاسدة، فسموه مستشفى الموت، وشعر الشباب بالتناقض بين مؤسسات خدمية مهترئة، وبين افتتاح ملعب مولاي عبدالله يسع 75 ألف متفرج.

أدرك الشباب أن بلادهم منهوبة، وشعبهم مسحوق. يقود الفساد والتفاوت الطبقي (اخنوش) شخصية برجوازية يسيطر على الخدمات ويمتلك مجموعة شركات. عام 2016 انتُخب رئيسًا لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي تصدّر انتخابات 2021، فعيّنه الملك رئيسًا للحكومة، فكان مثالًا للكليبتوقراطية.

سمات جيل (زد) عالميًا

تشكيل هوية رقمية عابرة للحدود، تفضّل التواصل الرقمي على التفاعل الشخصي.

النزعة الفردية ورفض الوصاية المطلقة من العائلة أو المؤسسات الرسمية.

وعي اجتماعي وبيئي، مع نقد مستمر للرأسمالية التقليدية، والتشكيك في السرديات السائدة، وتفضيل المصادر المستقلة للمعلومات، والبحث عن الشفافية والمحاسبة.

التفاعل السريع مع القضايا التي تمس العدالة والحقوق، والانتقال من الفضاء الافتراضي إلى الواقع الميداني بسهولة، لكنه في الوقت ذاته أقل صبرًا على الإصلاحات البطيئة أو الوعود المؤجّلة.

خيبة أمل متزايدة وتآكل الثقة بالأحزاب السياسية والمؤسسات التقليدية، وشعور واسع بعدم الإنصاف في توزيع الفرص واستشراء الفساد.

الإحساس بعجز الأيديولوجيات التقليدية (اشتراكية، قومية، دينية، أو ليبرالية) عن استيعاب طموحاته.

مطالب جيل (زد)

بدلًا من الانخراط في صراعات إيديولوجية قديمة، يرفع قضايا مطالبية مثل:

العدالة الاجتماعية والقضاء على الفجوة الطبقية والتمييز.

المشاركة السياسية والتأثير في صناعة القرار.

رفض الفساد والمطالبة بآليات رقابية حقيقية.

توفير فرص عمل مبتكرة تتناسب مع متغيرات السوق العالمية.

توفير صحة وسكن لائق وتعليم عصري يتناسب مع متطلبات سوق العمل العالمية، عبر إدماج التكنولوجيا، والتحوّل نحو التعليم مدى الحياة، وتفضيل الشهادات المهنية على الأكاديمية التقليدية.

لا يسعى بالضرورة إلى إسقاط الأنظمة، بل إلى فرض قواعد لعب جديدة: شفافية أكبر، محاسبة، ومشاركة.

تأثير الجيل على الأنظمة القائمة

تحدي النماذج الاقتصادية التقليدية وإحياء مفهوم الاقتصاد التشاركي.

انهيار ولاءات الأحزاب التقليدية وصعود التيارات الشعبوية والحركات الاجتماعية.

قدرته على تشكيل رواية بديلة، تكسر احتكار الإعلام التقليدي للسرديات، بالاعتماد على أدوات جديدة (حملات رقمية، تجمّعات سريعة، بث مباشر، شعارات ذكية) ومخزون رمزي (أغانٍ، شعارات، رموز ثقافية) تزيد من تأثيره في الرأي العام، تُمكّنه من خلق زخم شعبي يصعب احتوائها سريعًا..

استراتيجيات التعامل مع جيل (زد)

بناء ثقافة تنظيمية قائمة على الشفافية والمشاركة ومكافحة الفساد، مع تطوير منصات للمشاركة الرقمية وتقديم حلول واقعية للبطالة، والتعليم، والصحة، والسكن.

ربط الجامعات بسوق العمل، وتشجيع التعليم المهني والتقني، وتحديث المناهج.

الانتقال من النموذج الهرمي في القيادة والإدارة إلى نموذج الشبكات.

الإصغاء الحقيقي للجيل وفتح قنوات للتعبير والمشاركة، وبناء الثقة معه عبر الاعتراف بدوره وعدم شيطنته.

تحويل وسائل الإعلام الرسمية من خطاب تعبوي قديم إلى فضاءات حوارية مفتوحة.

تعزيز العدالة الاجتماعية وضمان وصول الخدمات الأساسية (الصحة، التعليم، السكن) إلى الجميع.

تحديات

كثير من الحركات الشبابية بلا قادة مركزيين، ما جعلها أصعب في الاستهداف، لكن أصعب أيضًا في تحويل زخمها إلى نتائج مؤسساتية دائمة.

المنصات الرقمية سلاح ذو حدّين: سهّلت التعبئة والانتشار، لكنها جعلت الحملات أيضًا عرضة للتشويش والتضليل والتوظيف.

ثلاثة مواقف متباينة للدول من هذا الجيل

الإنكار والقمع، وهو ما يؤدي إلى آثار مدمّرة.

الاستيعاب الجزئي والشراكة المحدودة عبر إصلاحات سطحية لامتصاص الغضب، لكنها لا تتعدى كونها تخديرًا مؤقتًا.

التكيّف البنيوي: تحديث الدولة لاستيعاب هذا الجيل عبر إصلاحات حقيقية تشمل الاقتصاد والسياسة والتعليم والصحة.

يمثل جيل (زد) تحولًا جوهريًا في القيم والسلوكيات، فإما التكيّف مع متطلباته أو مواجهة اضطراباته.

المستقبل سيكون لمن يستطيع الجمع بين حكمة التجربة لدى الكبار وطاقة الابتكار لدى هذا الجيل.

إن التعامل مع هذا الجيل لا يجب أن يكون عبر القمع أو الاستيعاب السطحي، بل عبر شراكة حقيقية تُعيد بناء الدولة على أسس العدالة والحرية والمساءلة، وبناء علاقة قائمة على الحقوق والواجبات، واستبدال عقلية “الرعية والطاعة” بعقلية “المواطنة والمشاركة”.

إن جيل (زد) ليس خصمًا للأنظمة، بل يمكن أن يكون رافعة للتنمية إذا ما تم احتواؤه بسياسات رشيدة.

زر الذهاب إلى الأعلى