في ذكراها الثانية.. “طوفان الأقصى” العملية التي أحرجت دولة الاحتلال.. وأيقظت ضمير العالم للاعتراف بالدولة مرحبا الفلسطينية

محمد خيري
تحل اليوم الذكرى الثانية لمعركة طوفان الأقصى، ذلك الحدث المفصلي الذي اندلع صباح السابع من أكتوبر 2023، فغيّر معادلات الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي وأعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد العالمي بعد سنوات من التهميش والنسيان. سنتان مضتا منذ اللحظة التي هزّت وجدان العالم بصورها ووقائعها، حيث امتزجت دماء الشهداء بصرخات المقاومين، وتعالت الأصوات المطالبة بالحرية والعدالة في مختلف الساحات الدولية، بينما واصلت غزة دفع الثمن الأكبر من حصار ودمار وتشريد.
لقد تحوّل “طوفان الأقصى” من مجرد عملية عسكرية إلى محطة تاريخية فاصلة، ما زالت ارتداداتها تُلقي بظلالها على المشهد السياسي في المنطقة والعالم. فمن رحم المأساة برزت دعوات متجددة لإحياء حل الدولتين، وشهدت الساحة الدولية تحركات غير مسبوقة لإيجاد تسوية عادلة، في وقت استمر فيه الاحتلال في سياسته القائمة على القوة والحصار. وبينما تتباين المواقف الدولية بين مؤيد ورافض، ظل الشعب الفلسطيني متمسكًا بحقه في الحرية وإقامة دولته المستقلة.
إن مرور عامين على تلك اللحظة يفتح الباب واسعًا أمام مراجعة جذرية لمسار الصراع ومستقبل المنطقة، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته التاريخية تجاه قضية لم تعدقضية شعب بعينه، بل قضية إنسانية كبرى تختبر الضمير العالمي وقدرته على الانتصار للعدالة.
تفاصيل العملية
مع شروق فجر يوم السابع من أكتوبر عام 2023 أعلنت عناصر المقاومة الفلسطينية عن نجاح عملية عسكرية معقدة أطلقت عليها اسم “طوفان الأقصى”، وهي العملية التي شملت هجومًا من الأنحاء كافة “برًا وبحرًا وجوًا”، حيث تسللت عناصر المقاومة الفلسطينية إلى مستوطنات غلاف غزة، عبر السياج الحدودي برًا، كما تمكنت وحدات الضفادع البشرية من التسلل إلى تلك المنطقة عبر البحر المتوسط، ومنها إلى المستوطنات، فيما تمكنت فرق المظليين من فوج “الصقر” التابع لعناصر القسام من دخول مستوطنات الغلاف والهجوم على تمركزات جيش الاحتلال، وتمكنوا وقتها من تدمير عدد كبير من دبابات جيش الاحتلال، وأسر عدد كبير من جنود الاحتلال.
وكشف قائد أركان عز الدين القسام، الجناح العسكري للمقاومة الفلسطينية، محمد الضيف، عن أن تلك العملية كانت الأكبر والأضخم في تاريخ الجماعات الفلسطينية المقاومة ضد جيش الاحتلال، إذ استهدفت المقاومة تحصينات العدو بنحو 5 آلاف صاروخ وقذيفة خلال أول 20 دقيقة من العملية فقط، حيث دعا وقتها جميع الفلسطينيين في الضفة الغربية وأراضي 48 أن ينضموا إلى عملية “طوفان الأقصى” لإزاحة الاحتلال من الأراضي الفلسطينية المحتلة بكل ما يملكونه من أسلحة.
واعترف جيش الاحتلال في هذا التوقيت بفشله في وصوله لأية معلومات استخباراتية تشير إلى احتمالية وقوع هذا الحادث الذي كان متوقعًا من الأساس، في ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في مدينة القدس واعتدائه الصارخ على المقدسات الإسلامية، وتدنيس المستوطنين للمسجد الأقصى واقتحامه المتكرر في حماية شرطة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما دعا صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية أن يعلن أن اسم “طوفان الأقصى” جاء ردًا على الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى المبارك.
رد فعل قوات الاحتلال
المقاومة تسيطر على المستوطنات
ولم تمض إلا ساعات قليلة حتى أعلنت وسائل إعلام عبرية عن سيطرة المقاومة الفلسطينية على 3 مستوطنات في غلاف غزة، كما استولوا على مركز للشرطة في سديروت، وتم أسر عدد كبير من ضباط جيش وشرطة الاحتلال من تلك المناطق، ما أحرج أجهزة أمن الاحتلال وأجهزة المخابرات، خاصة بعد اقتحام عناصر المقاومة لمستوطنات زيكيم وسديروت ومنيفوت وكيسوفيم وأشكول، فيما انهال وابل من الصواريخ على مناطق أخرى أبرزها تل أبيب واللد والقدس وأسدود وعسقلان وسديروت وبئر السبع، كما استخدمت عناصر المقاومة الصواريخ في الرد على انتهاكات الاحتلال لاحقًا من خلال استراتيجية الرشقات لإنهاك منظومة القبة الحديدية الدفاعية، وأحدثت تلك الرشقات تدميرًا هائلًا في البنية التحتية للاحتلال.
وأعلن جيش الاحتلال في ذلك الوقت عن التجهيز لعملية عسكرية كبيرة للرد على عملية “طوفان الأقصى” الفلسطينية، حيث بدأ جيش الاحتلال في تنفيذ ضربات صاروخية على مساكن المدنيين في قطاع غزة، علاوة على قصف المستشفيات التي تعالج المصابين من النساء والأطفال، حيث كانت أبرز تلك الجرائم استهداف المستشفى الأهلي المعمداني، التي تعد جريمة حرب مكتملة الأركان، إذ قصف جيش الاحتلال مبنى المستشفى فجر يوم السابع عشر من أكتوبر 2023، وتسبب في استشهاد أكثر من 500 من المدنيين وإصابة ما يزيد على 600 شخص آخرين من النازحين الذين احتموا بالمستشفى، فيما لم تتوقف جرائم جيش الاحتلال عند قصف مستشفى المعمداني، بل استمرت لاستهداف مجمع ناصر الطبي ومستشفى الشفاء، ومستشفى كمال عدوان، ومستشفى الأمل ومستشفى الصداقة التركي، والمستشفى الإندونيسي، ومستشفى الرنتيسي للأطفال، ومستشفى العودة، ومستشفى الكويت التخصصي، وهو ما دفع عددا كبيرا من المنظمات الدولية أن تصف تلك الجرائم بأنها تصل إلى مرتبة “جرائم الحرب”، حيث تتعمد إسرائيل استهداف المدنيين والنازحين في المستشفيات بحجة وجود أنفاق للمقاومة الفلسطينية تحت تلك المستشفيات أو وجود مصابين تابعين للمقاومة يعالجون داخل تلك المستشفيات.
إحصائيات كارثية لجرائم الاحتلال في غزة
وتسببت الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة في ارتفاع إحصائيات المصابين والشهداء من أبناء القطاع، حيث كشفت أحدث إحصائية لعدد الشهداء عن ارتفاع العدد إلى ما يزيد على 66.225، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، وهي حصيلة أولية ترتفع يوميًا مع تسجيل شهداء جدد كل يوم نتيجة القصف الدموي الإسرائيلي المتواصل ضد الفلسطينيين منذ بدء العدوان عمليات العسكرية بعد السابع من أكتوبر 2023.
أما عن الإصابات فقد كشفت الإحصائيات التي تنشرها المصادر الطبية من داخل قطاع غزة، عن وصول عدد الجرحى جراء القصف الإسرائيلي إلى ما يزيد على 168.938 مصابا، في حين لا يزال عدد من الضحايا تحت الأنقاض، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم، وهو ما يشير إلى ارتفاع عدد الشهداء والمصابين عن المعدلات الرسمية المعلن عنها.
وتذكر مجلة إيكونوميست البريطانية أنها أجرت دراسة حديثة عن عدد الشهداء والمصابين في قطاع غزة، وهي الدراسة التي خلصت إلى أن ما يتم الإعلان عنه سواء من عدد الشهداء أو المصابين يعد أقل بكثير من العدد الحقيقي، في ظل وجود عدد كبير من الشهداء والمصابين تحت أنقاض المباني التي دمرها جيش الاحتلال بدون سابق إنذار للساكنين فيها، ما يؤشر إلى زيادة عدد الضحايا والمصابين عن العدد الذي تعلن عنه وزارة الصحة في غزة.
ردود الفعل العالمية
وعلى الرغم من الإدانات العالمية التي كشفت عنها حكومات دول العالم لعملية السابع من أكتوبر، فإن فظائع جيش الاحتلال الإسرائيلي التي تمثلت في رد الفعل العنيف تجاه حركات التحرر الوطني الفلسطيني، كشفت عن رغبة دولية في ضرورة تغيير البوصلة العالمية واتجاهاتها بدلًا من دعم إسرائيل، إلى دعم الفلسطينيين، حيث بدأت دول عدة في التفكير في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما تجسد في مؤتمر “حل الدولتين” الذي عقد قبيل أيام قليلة من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت في نيويورك خلال شهر سبتمبر الماضي، حيث أعلنت عدة دول كبرى عن اعترافها بالدولة الفلسطينية، وكان أبرزها بريطانيا وفرنسا، ثم تلاهما بلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وأندورا، والبرتغال، أستراليا وكندا.
وقبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة رسميًا، أعلنت دول أخرى اعترافها بالدولة الفلسطينية، التي تصنف حاليًا كدولة “مراقب” غير عضو في الأمم المتحدة، وهو ما رفع عدد المعترفين بالدولة الفلسطينية حول العالم إلى أكثر من 150 دولة من أصل 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة.
خطة ترامب لوقف الحرب
مع الضغط العربي والعالمي، أيقن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضرورة التوصل إلى خطة توافقية تتسم بالمرونة في تحقيق وقف كامل للأعمال العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، مع ضرورة الحفاظ على تطلعات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما دعاه بعد الضغط الدبلوماسي الكبير إلى أن يعلن عن خطته لوقف الحرب في قطاع غزة، وهي الخطة التي جاءت في 21 بندًا تتضمن وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين فورًا، وتجميد الوضع على الأرض والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية دفعة واحدة.
كما تتضمن الخطة تسليم جثامين أكثر من 20 إسرائيليا يعتقد أنهم قتلى، مع ضرورة تسليم المقاومة الفلسطينية سلاحها، وضمان ألا تكون في المنظومة السياسية الجديدة لقطاع غزة في اليوم التالي للحرب، على أن يمنح عفو لمن سينضمون إلى “عملية السلام” وتسهيل الخروج الآمن للراغبين في مغادرة القطاع إلى دول أخرى.
وتضمنت الخطة أيضًا عدم إجبار سكان غزة على المغادرة، إلا من يرغب طواعية في المغادرة، كما ستطلق إسرائيل سراح 250 سجينا محكوما بالسجن المؤبد بالإضافة إلى 1700 من سكان غزة الذين اعتقلوا بعد 7 أكتوبر، كما تقرر أن تفرج إسرائيل عن 15 جثة من سكان غزة مقابل كل جثة لأسرى إسرائيليين يتم تسليمها.
وتضمنت الخطة السماح بدخول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى سكان قطاع غزة، كما سيتم إعادة تأهيل البنية التحتية للقطاع، وإعادة تأهيل المستشفيات والمخابز، وإدخال المساعدات وتوزيعها دون تدخل من طرفي النزاع، على أن يتم الاعتماد في ذلك على الأمم المتحدة ووكالاتها ومنظماتها العاملة في هذا الشأن.
وتتضمن الخطة أيضًا تشكيل “حكومة انتقالية مؤقتة” من “فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين” لإدارة الخدمات العامة اليومية في غزة، على أن تشرف على هذه الحكومة هيئة دولية يرأسها الرئيس الأمريكي نفسه ويضم في عضويتها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وممثلين عن دول أخرى عربية وغير عربية، وخلال تلك الفترة ستعمل السلطة الفلسطينية على إجراء إصلاحات داخلية وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية لكي تصبح مؤهلة لإدارة قطاع غزة.
ومن المقرر أن تعمل واشنطن مع شركاء عرب ودوليين لإنشاء قوة أمنية على أن تدرب الدول العربية قوات شرطة فلسطينية تتولى استلام الأمن في القطاع، مع الانسحاب التدريجي الإسرائيلي من قطاع غزة.
موقف المقاومة من مقترح ترامب
وعن موقف المقاومة الفلسطينية فيما يتعلق بخطة ترامب فقد أعلنت حركة المقاومة الفلسطينية ردها بعد أيام قليلة من إعلان ترامب مقترحه، حيث أكدت الحركة في بيان لها أنه حرصًا على ضرورة وقف العدوان والإبادة التي يتعرض لها أهل غزة الصامدين فقد أجرت مشاورات معمقة في مؤسساتها القيادية، ومشاورات واسعة مع القوى والفصائل الفلسطينية، ومشاورات مع الإخوة الوسطاء والأصدقاء، للتوصل إلى موقف مسؤول في التعامل مع خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأكد بيان الحركة أنها تقدر جهود الرئيس الأمريكي الداعية إلى وقف الحرب على قطاع غزة وتبادل الأسرى ودخول المساعدات فورًا ورفض احتلال القطاع ورفض تهجير شعبنا الفلسطيني منه، مؤكدة على موافقتها على الإفراج عن جميع أسرى الاحتلال أحياء وجثامين وفق صيغة التبادل الواردة في مقترح الرئيس ترامب ومع توفير الظروف الميدانية لعملية التبادل، وفي هذا السياق تؤكد الحركة استعدادها للدخول فورًا من خلال الوسطاء في مفاوضات لمناقشة تفاصيل ذلك.
وجددت الحركة موافقتها على تسليم إدارة قطاع غزة لهيئة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط) بناءً على التوافق الوطني الفلسطيني واستنادًا إلى الدعم العربي والإسلامي.
واختتمت بقولها إن ما ورد في مقترح الرئيس ترامب من قضايا أخرى تتعلق بمستقبل قطاع غزة وحقوق الشعب الفلسطيني الأصيلة فإنَ هذا مرتبط بموقف وطني جامع واستنادًا إلى القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة، ويتم مناقشتها من خلال إطار وطني فلسطيني جامع ستكون المقاومة الفلسطينية من ضمنه وستسهم فيه بكل مسؤولية.
طموح ترامب في نوبل للسلام
وعقب الإعلان عن تلك الخطة، هدد الرئيس الأمريكي المقاومة الفلسطينية بأنه إذا لم ترد على تلك الخطة خلال يومين فستمنح الولايات المتحدة الأمريكية الضوء الأخضر لإسرائيل لإجراء خطوات تصعيدية، فيما أعلن ترامب أنه الرئيس الوحيد الذي نجح في وقف 8 حروب كبرى خلال 8 شهور فقط، وكان من ضمنها، الحرب الإيرانية الإسرائيلية، وادعى أنه أوقف حربا بين مصر وإثيوبيا بسبب سد النهضة، وحربًا بين الهند وباكستان، وحربا بين أذربيجان وأرمينيا، فيما فشل في إيقاف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وكذا الحرب الإسرائيلية على غزة التي لا تزال وقائعها تجري حتى كتابة تلك السطور.
فيما خاطب ترامب لجنة جائزة نوبل مؤكدًا أنه إذا لم يحصل على جائزة نوبل للسلام، بناءً على جهوده في وقف الحروب، فإن ذلك يعتبر إهانة للولايات المتحدة الأمريكية على حد تعبيره، وهو ما دعا لجنة المسابقة لأن تؤكد أنها لا تخضع للضغوط وأنها على مسافة واحدة من جميع المرشحين لتلك الجائزة الرفيعة.