سجن القيادات الليبية بين العدالة والانتقام

بقلم/ عفاف الفرجاني
منذ سقوط النظام الليبي في عام 2011، ظل ملف المساجين من رموز النظام السابق يثير جدلًا واسعًا، خاصة حين يتعلق الأمر بأسماء بارزة مثل المفكر أحمد إبراهيم، واللواء منصور ضو، واللواء عبدالله السنوسي. فهؤلاء لم يدخلوا السجون على خلفية قضايا جنائية فردية كجرائم قتل أو فساد مالي، بل وُضعوا خلف القضبان في سياق سياسي وعسكري أوسع، هو سياق الحرب التي شنتها قوى حلف الناتو وحلفاؤها المحليون لإسقاط الدولة الليبية.
أحمد إبراهيم، الذي عُرف كأحد العقول المفكرة والمنظرين السياسيين في المشروع الجماهيري، لم يكن قائدًا عسكريًا في الجبهات، بل مثقفًا ومدافعًا عن الهوية القومية والوحدة الوطنية. سجنه لا يعكس محاسبة على فعل جنائي، بل محاولة لإسكات صوت فكري ظل يمثل إحراجًا للسلطة الجديدة التي قامت على أنقاض النظام.
أما اللواء منصور ضو، القائد العسكري الذي اشتهر بصرامته، فقد وقع في الأسر في ظروف انهيار الجبهات أواخر 2011. محاكمته وسجنه لم يُبنيا على إجراءات قضائية طبيعية، بل على كونه رمزًا من رموز المؤسسة العسكرية السابقة التي أراد المنتصرون تكسيرها. الأمر ذاته ينطبق على “عبدالله السنوسي”، مدير الاستخبارات السابق، الذي أصبح ورقة سياسية دولية، بين مطالبات محكمة الجنايات الدولية من جهة، وإصرار سلطات ما بعد 2011 على إبقائه رهينة سياسية من جهة أخرى.
إن جمع هذه القضايا في سلة واحدة يكشف أنها ليست محاكمات جنائية بالمعنى القانوني، بل جزءا من عملية ممنهجة لإقصاء النظام السابق ورموزه. فالسجن هنا كان أداة من أدوات الحرب المستمرة حتى بعد توقف المعارك العسكرية، لإرسال رسالة إلى أنصار القذافي والنظام الجماهيريبأن الدولة الجديدة لا تقبل أي وجود أو مشاركة من بقايا النظام.
غير أن مرور أكثر من عقد على تلك الأحداث، يكشف عن خلل عميق: فغياب المصالحة الوطنية، وبقاء هذه الشخصيات خلف القضبان، لم يُنهِ الانقسام، بل زاد من هشاشة الدولة الليبية. إذ إن استمرار احتجازهم دون مسار قضائي نزيه، يعكس أن القضية أبعد من أفراد، إنها قضية دولة أُسقطت، ونظام حُوكم بكامله عبر رموزه.
إن أي حديث عن بناء دولة أو إنجاز مصالحة وطنية يظل مجرد شعارات فارغة ما دام أحمد إبراهيم ومنصور ضو وعبدالله السنوسي خلف القضبان. فغياب العدالة في هذه القضايا يعني ببساطة أنه لا توجد دولة حقيقية، ولا مصالحة جادة، بل مجرد إملاءات غربية وضغوط خارجية تُمارس على حكومة الغرب لإبقاء ليبيا رهينة الانقسام والتبعية.