جذور “مشروع إدارة الفوضى”

بقلم/ محمد عبد القادر
في البلاد العربية والإسلامية منذ عقد الثمانينيات وبالتحديد في العام 1983م عُرض على الكونجرس في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ريجان مشروع بلقنة الدول العربية والشرق الأوسط من طنجة إلى جاكرة.
يمكن القول بكثير من الاطمئنان إن الإستراتيجية الغربية تجاه العالم الإسلامي منذ منتصف القرن التاسع عشر تنطلق من الإيمان بضرورة تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات إثنية ودينية مختلفة، حتى يسهل التحكم فيه.
وليس أدل على هذه الحقيقة التي تُرجمت إلى أفعال وسلوكيات ومشاريع فردية وجماعية يمكننا أن نرجع إلى العام 1905م وهو العام الذي تقدم فيه حزب المحافظين إلى رئيس الحكومة البريطانية آنذاك السير هنري كامبل بنرمان عن حزب الأحرار بمشروع مؤتمر استعماري يضم مجموعة من الدول الأوروبية(مؤتمر كامبل بنرمان، هو تسمية للمؤتمر الاستعماري الذي بدأ الإعداد له منذ 1905على مستوى الخبراء، ثم قدم الخبراء توصياتهم بعد تدارس استمر سنتين انعقد المؤتمرفي لندن سنة 1907، بهدف إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية.وقد ضمت الدول الاستعمارية في ذاك الوقت: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا). وتنصُّ على أن المؤتمرين خرجوا في النهاية بوثيقة سرية سموها «وثيقة كامبل» نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان، وقال بعض الكتاب والمفكرين: إنه “أخطر مؤتمر حصل لتدمير الأمة العربية خاصة والإسلامية عامة، وكان هدفه إسقاط النهضة وعدم استقرار المنطقة من خلال زرع كيان صهيوني يراقب الأمة العربية والإسلامية، وهو بمثابة السرطان للوطن العربي بشكل عام وفلسطين بشكل خاص”.
فكانت الاتفاقية السرية آنذاك التي سميت بسايكس (وزير الخارجية البريطاني) وبيكون (وزير الخارجية الفرنسية) (وثيقة سايكس بيكو) لتقسيم البلاد العربية إلى مناطق نفوذ بين القوتين العظميين حينذاك، عام 1917م بدأ تنفيذ مخرجات مؤتمر لندن أو وثيقة (كامبل بنرمان)بحيث تم اقتسام البلاد العربية بينهما وباحتلال مباشر لتنفيذ إقامة الكيان الغريب (إسرائيل) كحاجز بشري وعسكري معاد للأمة ومعرقل لتنميتها واستقرارها وبؤرة صراع دائم فيها لاستمرار السيطرة عليها، وحتى يتم ضمان التنفيذ تم احتلال فلسطين بعد المؤتمر بعشر سنين. وتم إعلان الانتداب عليها لإعدادها دولةً صهيونية تسمى “إسرائيل”، وليس لها علاقة لا بالتوراة ولا بالحق المقدس، بل مشروع استعماري قادته بريطانيا لأنه لو كان الأمر كذلك لما تعددت الاقتراحات في برقة والأرجنتين وروسيا وأوغندا؟؟!!!
أما مشروع برنارد لويس المستشرق البريطاني الأصل والأمريكي الجنسية واليهودي الديانة والصهيوني الأيديولوجية الذي يقضي بتقسيم ما تم تقسيمه سابقًا وتجزئته وفق العرق والطائفة لتقزيم الدول إلى دويلات طائفية قزمية يسهل السيطرة عليها بخلق صراعات ونزاعات عرقية طائفية حتى يصبح الكيان الصهيوني أكبر دولة إقليمية في المنطقة الممتدة من طنجة في أقصى المغرب إلى جاكرتا في أقصى المشرق، وهو مشروع تم بتكليف من (البنتاغون وزارة الدفاع الأمريكية) كُلف بموجبه المستشرق “برنارد لويس” أكاديمي مستشرق مختص في دراسة الدراسات العربية والإسلامية لكونه ضليعا في شؤون هذه المنطقة، ويتكلم لغات هي العربية والفارسية والتركيةوالعبرية والآرامية واللاتينية واليونانية، والفرنسية، بالإضافة إلى الألمانية والإنجليزية لإعداده المشروع آنف الذكرثم قُدم للكونجرس الأمريكي لإقراره، وقد تم إقراره بالإجماع وبدأ تنفيذه منذ ذلك الوقت بإعداد الخطوات التنفيذية له، وكان احتلال العراق حلقة البداية في ترجمة تلك القرارات وفق نظرية “الفوضى الخلاقة” التي تبنتها إدارة بوش الصغير ونظَّرت لها مستشارته للأمن القومي ثم وزيرته للخارجية كونداليزا رايس.
تباطأ تنفيذ بقية هذا المخطط بسبب مشكلات كثيرة نتجت عن غزو العراق وما نتج عنه من صراعات جانبية، ثم استؤنف من جديد في عهد إدارة أوباما ووزيرة خارجيته “هيلاري كلينتون” لتكملة مشروع برنارد لويس للبلقنة، ومشروع برنارد لويس يتكون من الآتي:
يستهدف تقسيم العراق إلى مجموعة دويلات سنية وكردية وشيعية وأشورية وهكذا حتى يصبح العراق مجموعة دويلات متناحرة غير مستقرة وغير مرتبطة بالمركز وهو إسرائيل الكبرى بعد السيطرة على المياه والطاقة.
وتقسيم سوريا على نفس الأساس وكذلك لبنان ومصر والمغرب العربي بما فيه الجزائر وليبيا وكذلك إيران وباكستان، وتركيا ستكون آخر دول المنطقة لأن برنارد لويس يراها دولة ستساعد في عملية البلقنة هذه وتستفيد منها أي ستعطى مناطق نفوذ لها وقد تكون في سوريا والعراق.
ولتنفيذ هذا المشروع بدقة تؤتي النتائج المرجوة والمنتظرة والمستهدفة لابد من استخدام استراتيجيات تسرِّعُ من تحقيق الهدف، وأحد أهم هذه الاستراتيجيات هي ما اصطلح عليه بــ “الفوضى الخلاقة”التي تترجم إلى سياسات تنفيذ على مراحل باستخدام كل المتوفر من الأدوات المدمجة معًا من استخدام التجسس لجمع المعلومات إلى تجنيد ثم تحشيد العملاء واختراق الدولة المراد إحداث الفوضى فيها والعمل على إضعاف السلطة المركزية بضخ إعلامي كثيف يستهدف التشكيك في مؤسسات الدولة يندرج تحت مفهوم الحرب النفسية والتشكيك في نزاهة المؤسسات وفي مصداقية أدائها بما في ذلك السخرية من السلطة القائمة لإحداث البلبلة والفوضى ومن ضمنها القيام بعمليات أمنية تظهر عجز السلطات عن المواجهة وتشكك في مقاصدها وتبحث عن شخصيات بارزة فيها لتنشق عن السلطات وتسهم في حملة التضليل المركزة على هيئة تسريبات لأسرار واصطناع لأحداث، وسيختم المشهد في ليبيا بإعادة التوطين فيها لخمسة ملايين أفريقي يتم استيعابهم في الجنوب واستبعاد العنصر العربي تماما، قد لايصدق الكثير هذا السيناريو كما لم يصدقوا إسرائيل الكبرى، وهاهو نتنياهو يصفع وجهها بها وليس أمام الشعوب العربية إلاخيار المقاومة بما تبقى من قدرات ولو ضئيلة أو الاستسلام التام.