بريطانيا تعيد التاريخ: الاعتراف بدولة فلسطين

بقلم/ عبد الله ميلاد المقري
يعيد التاريخ نفسه في المنطقة العربية، حينما كانت المملكة المتحدة قد اعترفت رسميًا بدولة الكيان الصهيوني في 2 يناير 1950 بعد انتهاء انتدابها على كامل الأرض الفلسطينية، تنفيذًا لوعد بلفور الذي نص على دعم إنشاء “وطن قومي للشعب اليهودي”. لقد كان هذا الاعتراف بداية مرحلة طويلة من الانحياز والدعم غير المحدود لدولة الاحتلال، ما أسس لسياسات احتلالية مستمرة وتجاهل الحقوق الفلسطينية لعقود.
بعد مرور 75 عامًا من هذا الانحياز التاريخي، أعادت بريطانيا التاريخ مرة أخرى، حين أعلنت يوم 21 سبتمبر 2025 اعترافها الرسمي بمشروع الدولتين، متضمنًا الاعتراف بدولة فلسطين، وفق تصريح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. كما قامت الحكومة البريطانية بتحديث خرائطها الرسمية، مستبدلة مصطلح “الأراضي الفلسطينية المحتلة” بـ”فلسطين”، في خطوة رمزية تمثل الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية، لكنها لا تخلو من أبعاد سياسية تحافظ على مصالح العدو الصهيوني، إذ إن الخريطة المحدثة تحدد حدود دولة فلسطينية محدودة، مع بقاء المستوطنات الإسرائيلية في مناطق محتلة، ما يفرض قيودًا على سيادة الدولة الفلسطينية المستقبلية.يأتي هذا الاعتراف في وقت مأساوي للشعب الفلسطيني في غزة، حيث تستمر دولة الاحتلال الصهيوني في تهديد المدنيين بالقتل والتجويع والتهجير، ما أدى إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا، بينهم نساء وأطفال، في أكبر تصفية عرقية إنسانية تمر بها المنطقة منذ عقود. وفي الوقت نفسه، تظل الأمم المتحدة عاجزة عن حماية المدنيين وإيقاف جرائم الاحتلال، ما يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لمصداقيته في حماية حقوق الإنسان.
وتبعًا للاعتراف البريطاني، بدأت دول أخرى السير على نفس النهج، ما دفع الرئيس الأمريكيدونالد ترامب إلى استدعاء قادة العرب، وخصوصًا زعماء الخليج، في محاولة للالتفاف على الاعتراف الدولي بدولة فلسطين عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، في خطوة تنتهك ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، وتعرض المعايير الحقوقية للتهديد.
إن الاعتراف البريطاني بفلسطين بعد سبع وسبعين سنة يمثل تصحيحًا جزئيًا للذاكرة الغربية التي طالها الانحدار غير الأخلاقي تجاه دولة الاحتلال الإرهابية، ويؤكد أن دعم حقوق الشعب الفلسطيني أصبح قضية لا يمكن تجاهلها حتى من قبل القوى الغربية التي كانت شريكًا في معاناة الفلسطينيين على مدى عقود من الزمن الظالم والممارسات العدائية تجاه العرب وقضاياهم الحيوية وإن كانت الدولة الفلسطينية التي حددتها الخريطة البريطانية المحدثة فسوفتكون لصالح العدو الصهيوني بفرض السيطرة على دولةفلسطينية مقطعة الأوصال رئتها ملوثة بنفايات المستوطنين الصهاينة الذين لن يغادروا الأراضي المحتلة.