هل يصل مَدّ الربيع العربي إلى المغرب؟

بقلم / الدكتور نجمي الصاوط
منذ اندلاع شرارة الربيع العربي في تونس وامتدادها بسرعة إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا، ظلّت الأنظار تتجه إلى المغرب باعتباره بلداً مختلفاً في بنيته السياسية والاجتماعية، وباعتباره أيضاً قد شهد صدى لهذه التحركات عبر حركة 20 فبراير التي خرجت سنة 2011 مطالبةً بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. غير أنّ تعامل السلطة المغربية مع تلك اللحظة جاء مختلفاً؛ فقد اختار النظام طريق الإصلاحات الجزئية وإعلان تعديل دستوري بدا في حينه استجابة سريعة للغضب الشعبي، ومن ثم امتصّت الدولة جزءاً كبيراً من التوتر عبر سياسات اجتماعية ومبادرات تنموية، ما جعل المغرب يبدو وكأنه تجاوز العاصفة بأقل الخسائر مقارنة بجيرانه.
لكن التجربة المغربية، على الرغم من نجاحها في تقليل حدّة الانفجار، لم تحسم الجدل حول طبيعة التغيير. فالإصلاحات التي أُعلن عنها بقيت محدودة، وبعضها ظلّ في إطار رمزي أكثر منه جوهري، بينما ظلت الأسباب العميقة التي أخرجت الشباب إلى الشوارع قائمة، من فوارق اجتماعية صارخة، وتوزيع غير عادل للثروات، وارتفاع نسب البطالة، وغلاء يرهق كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة. هذه التناقضات تجعل السؤال مطروحاً بإلحاح اليوم: هل يمكن للربيع العربي أن يعود في موجة جديدة تلتهم المغرب كما التهم غيره؟
إن خصوصية المغرب تكمن في كونه بلدًا يملك مؤسسات راسخة نسبياً، على رأسها المؤسسة الملكية التي مثّلت مظلة جامعة حالت دون انهيار الدولة كما حدث في دول عربية أخرى. كما أنّ وجود هامش من حرية التعبير، وإن كان محدوداً، سمح بتنفيس جزء من الغضب في قنوات يمكن التحكم فيها. إلى ذلك، فإن موقع المغرب الاستراتيجي وصلاته الوثيقة بأوروبا والولايات المتحدة ودول الخليج، أتاح له دعماً سياسياً واقتصادياً يساهم في تعزيز الاستقرار الداخلي ويمنحه نوعاً من الحماية من الهزّات الكبرى.
ومع ذلك، فإن الاعتماد على الاستقرار القسري أو الإصلاحات السطحية لا يمكن أن يشكّل ضمانة دائمة. فالتجارب التاريخية أثبتت أنّ الاحتقان الصامت كثيراً ما ينفجر على نحو مفاجئ وغير متوقّع. يكفي أن يشعر الشباب، الذين يشكّلون الكتلة السكانية الأكبر، أنّ مستقبلهم مسدود وأن المشاركة السياسية مجرد واجهة شكلية، حتى يعودوا إلى الشارع في موجة أكثر راديكالية من سابقتها. كما أنّ الضغوط الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار المواد الأساسية، إذا ترافقا مع تراجع الثقة في النخب السياسية، قد يشعلان فتيل احتجاجات واسعة لا تكفي الوعود أو التعديلات الجزئية لاحتوائها.
المغرب اليوم يقف عند مفترق طرق حاسم. فإما أن يستثمر تجربته السابقة ليبني إصلاحات حقيقية تعزز العدالة الاجتماعية وتعيد الثقة إلى مؤسساته السياسية، وإما أن يظل يعيش على تسويات مؤقتة تؤجل الأزمة ولا تحلها. وفي الحالتين، يبقى الربيع العربي بمثابة الموجة التاريخية المفتوحة التي قد تتراجع حيناً لكنها سرعان ما تعود حين تبقى أسبابها قائمة. لذلك فإن السؤال لم يعد: هل سيصل الربيع العربي إلى المغرب؟ بل صار: كيف سيتعامل المغرب مع الموجات المقبلة، وهل يملك القدرة على تحويلها إلى فرصة للإصلاح العميق بدل أن تكون مقدمة لانفجار جديد؟