مقالات الرأي

جيش عالمي للتحرير!

بقلم/ مصطفى الزائدي

دعا الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو لتشكيل جيش عالمي بهدف تحرير فلسطين، مؤكِّدًا أن الشجب والتنديد لم يعُودا كافيين لمواجهة الجرائم التي يرتكبها الكيان العنصري في فلسطين. وأشار إلى ضرورة إظهار القوة واعتقال المتهمين بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة وتقديمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولأنّ غالبية الشعوب على مستوى العالم تُطالب بوقف حرب الإبادة الصهيونية على غزة، وإنقاذ الفلسطينيين في قطاع غزة يعني إنقاذَ الإنسانية جمعاء.

لقد فجر الرئيس جوستافو بيترو، بدعوته المباشرة والواضحة لتشكيل جيشٍ عالميٍ لتحرير فلسطين، قنبلةً سياسية في أروقة الأمم المتحدة بعد فشل الجهود الدبلوماسية عبر المنظمة في إصدار وتنفيذ قراراتٍ ملزمةٍ توقف العدوان وحرب الإبادة العرقية ضد الشعب الفلسطيني، وذلك بسبب موقف الإدارة الأمريكية المتعنّت التي تتعامل مع العالم وكأنه ضيعةٌ خاصّةٌ بها وبمصالحها. وموقف الرئيس الكولومبي، رغم أن بعضًا قد يعتبره نظريًا أو مجرد خطابٍ سياسِيّ لتصعيد المشهد العالمي المعادي للصهيونية، يضعنا في مقارنةٍ ملزِمةٍ مع مواقف حكومات الدول العربية والإسلامية الضعيفة والركيكة، التي تتخذ مواقفها بشكلٍ أو بآخر لإرضاء السياسات الأمريكية وخدمة الكيان الصهيوني، البيانات والخُطَب الجوفاء التي تصدر عن كثيرٍ من زعماء العرب والمسلمين في قممهم وفي اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست سوى عباراتٍ إنشائيةٍ بلا مضمونٍ حقيقي.

لقد شهد العالم تحولًا كبيرًا في الموقف من الصهيونية. ولقد أدرك الرأي العام العالمي حقيقتها كحركة فاشية وعنصرية — كما كانت مُصَنفةً في الأمم المتحدة منذ سبعينيات القرن الماضي قبل أن تُزال تلك الصفة في أعقاب ما عُرف بخطة السلام العربية — وهي تعمل على إقامة كيانٍ مصطنعٍ على أسسٍ توراتية متخلِّفةٍ بعد أن تبيد الشعوب الأخرى في المنطقة، دولة بلا حدودٍ ولا ضوابطٍ قانونيةٍ، تتوسع كيفما تشاء وتضرب من تشاء في أي وقت، وهذا خطاب معلن يقوله قادة الكيان دون خجل، ويعبرون صراحةً عن سعيهم لإقامة «إسرائيل الكبرى» في كلِّ الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولم تتورَّع الحركة الصهيونية عن تنفيذ جريمة تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة قسرًا، كأحد “الحلول” المطروحة لمعالجة القضية الفلسطينية، بل طُرحت مطالب بتوطينهم في بلدانٍ أخرى في أفريقيا وآسيا أو في بعض الدول العربية الضعيفة.

الموقف العالمي الذي تطوّر إلى اعتراف رسمي بالدولة الفلسطينية على مستوى دولي لم يرافقه أي تطور جادٍ في الموقف العربي والإسلامي، بل إن هذا الموقف في انحدارٍ متزايد، فبينما يدعو رئيس كولومبيا لتشكيل جيشٍ عالميٍ لتحرير فلسطين، يُعلِنُ ميليشياويٌّ مثل الجولاني — صهيوني الهوى والهوية — عن اتفاقات اعترافٍ وتطبيعٍ وتأمينٍ مع الكيان الصهيوني دون قيودٍ أو حدود، وعَمِلَ بكل قوته لتدمير القوة السورية ونزع سلاح السوريين ونشر فتنةٍ طائفيةٍ تدفع ببعض الأقليات إلى الارتماء في أحضان العدو.

ويعملُ بعضُ زعماء العرب، بما استطاعوا وبكل الوسائل، على نزع سلاحِ المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا، واستبدالها بأنظمة مواليةٍ للكيان، مُروّجين لمفهوم “السلام” كخيارٍ استراتيجيٍّ — وهو سلامٌ في معظمه يخدِمُ مصالحَ الاحتلال -حتى إن بعضهم، بدلًا من استغلال الاعتراف العالمي بفلسطين لتصعيد المطالبة بتحريرها وفرض قيودٍ على النشاط العسكري والسياسي للكيان ومساءلة مجرمي الحرب، وإعادة تفعيل نظام المقاطعة -الفعال كالتدابير التي اتخدتها كثير من الدول الأوروبية واللاتينية -يعملون على منحِ العدوِ مكافآتٍ على جرائمه بطلب اعترافٍ متوازٍ من الدول العربية والإسلامية بالكيان المحتل استجابة لمواقف الغرب الذي اعترف بدولة فلسطين.

قد نتفهم مواقف الحكومات العربية والإسلامية لمعرفتنا بطبيعتها وآليات فرضها على شعوب المنطقة، لكن ما يُثير الاستغراب موقفُ الشعوب العربية النائمة والتائهة، المنغمسة في دائرة الفوضى والعبث والبؤس والخوف، التي أدخلها فيها “الربيع العبري”، فباستثناءاتٍ قليلةٍ، لم تشهد الساحةُ العربيةُ والإسلامية انتفاضاتٍ شعبيةً حقيقيةً تشبه تلك التي اجتاحت مدنَ العالم، ولم نسمع سوى خطاباتٍ بائسةٍ في الإعلام العربي والإسلامي تعيدُ إنتاجَ خطابِ زمنِ الانكسارات.

الحقيقة أنّ العملَ الوحيد الذي قلب الموازين هو الذي قام به الفلسطينيون في 7 أكتوبر في عملية «طوفان الأقصى» التاريخية البطولية، فكانت معادلةً صعبة غيرت كلّ شيء، لقد غيّرَت الرأيَ العام العالمي وكشفَت حقيقةَ الكيان كقوةٍ فاشيةٍ إرهابيةٍ إجرامية، ودفعت المنظمات الدولية — حتى تلك التي كانت مُؤيدةً للكيان — إلى إعادة تقييمه ووصف قيادته بمجرمي حربٍ مطلوبين في كثيرٍ من دول العالم، للأسف مع استثناء واضحٍ للحكومات العربية والإسلامية، فلم تتمكن طائرة مجرم الحرب نتنياهو في رحلتها من فلسطين إلى نيويورك من المرور عبر أجواءِ العديد من الدول التي صنَّفَتْه مجرمًا وتسعى لاعتقاله وتقديمه للمحاكمة، بينما الطائرات الحربية الصهيونية تجوب الأجواء العربية بلا قيودٍ لشنّ عدوانٍ على اليمن وإيران وقطر والعراق.

السؤال الأهمّ حول موقف النخب العربية من هذه التطورات العالمية والدعوات المتزايدة لضرورةِ تحرير فلسطين، هل ستتحوّل هذه الدعوات إلى إجراءاتٍ عمليةٍ وجادة؟ وهل النخبُ العربية جاهزةٌ لقيادة عملٍ حقيقيٍ في هذا الاتجاه؟ وهل أصبح تحرير فلسطين مسألة وقتٍ ليس إلا؟

زر الذهاب إلى الأعلى