مقالات الرأي

وصاية الخارج وجراح الداخل

بقلم/ منيرة محمد

يعيش الشعب العربي في كافة بلدانه، حالة غير مسبوقة من القلق النفسي والاضطراب الداخلي. فقد تزامنت التغييرات السياسية مع انكشاف المنطقة على موجة غير معهودة من التدخلات الخارجية، فوجد المواطن العربي نفسه محاصرًا بمشهد إقليمي معقد تتداخل فيه مصالح دول كبرى وقوى إقليمية، وكل طرف يسعى إلى فرض نفوذه على الأرض العربية.

لقد تحولت بعض العواصم العربية إلى ساحات نفوذ لدول أجنبية، وانتشرت القواعد العسكرية على أراضي أكثر من دولة عربية. جيوش أجنبية تتحرك بحرية، طائرات تجوب الأجواء دون إذن، وسفن حربية ترسو في الموانئ وكأنها في مياهها الإقليمية. هذه المشاهد ولّدت شعورًا عميقًا بالمرارة لدى المواطن العربي، الذي يرى سيادة بلاده تُنتقص كل يوم، وقراره الوطني يصاغ في الخارج بعيدًا عن إرادته.

ومع اشتداد الصراعات الداخلية في بعض الدول، لجأت أطراف محلية إلى الاستقواء بالأجنبي طلبًا للدعم العسكري أو السياسي، ما فتح الباب على مصراعيه لمزيد من التدخلات الخارجية. وهكذا أصبحت بعض الملفات العربية تُدار من وراء البحار، وصار مستقبل شعوب كاملة رهينة لمفاوضات ومساومات دولية لا يشارك فيها أبناء البلد. هذا الواقع ضاعف الإحباط الشعبي، وأشاع شعورًا بفقدان السيطرة على المصير.

الأوضاع الاقتصادية بدورها زادت من حدة الضغط النفسي. برامج اقتصادية مفروضة من الخارج، ديون متراكمة، أزمات معيشية خانقة، وارتفاع في الأسعار جعلت حياة الناس أكثر صعوبة. الأسرة العربية صارت تواجه يوميًا معركة من أجل البقاء، بين البحث عن لقمة العيش وتأمين مستقبل الأبناء، بينما الأفق يبدو ضبابيًا ومعلّقًا على قرارات مؤتمرات دولية واجتماعات في عواصم أجنبية.

هذه المعاناة اليومية خلقت حالة من القلق الجماعي والاكتئاب والشعور الدائم بالتهديد. المواطن العربي لم يعد يشعر بالأمان في وطنه، فوجود القواعد الأجنبية والقوات الأجنبية يجعل الخوف حاضرًا في كل لحظة. حتى الأجيال الجديدة تكبر وهي ترى أعلام دول أخرى مرفوعة على أرض بلادها، ما يولد لديها شعورًا مبكرًا بالاغتراب النفسي وفقدان الانتماء.

ورغم كل هذا، لم تفقد الشعوب العربية قدرتها على المقاومة المعنوية. فما زالت الأصوات ترتفع مطالبة بإخراج القواعد العسكرية، واستعادة القرار الوطني، ورفض أي وصاية خارجية. هذه المطالبات ليست مجرد شعارات سياسية، بل حاجة إنسانية ملحة، لأن الشعوب لا يمكن أن تستعيد توازنها النفسي ما دامت تعيش تحت وطأة هيمنة الأجنبي على أرضها وقرارها.

إن التحدي الأكبر اليوم هو توحيد الموقف الشعبي والرسمي في مواجهة التدخلات الخارجية، وبناء جبهة داخلية قوية تفرض احترام السيادة الوطنية وتضع حدًا لابتزاز الخارج. وحده الشعور بالسيادة والكرامة يمكن أن يعيد للمواطن العربي ثقته بنفسه وبمستقبل بلاده، ويخفف من الضغط النفسي الذي بات يثقل كاهله منذ أكثر من عقد من الزمن.

زر الذهاب إلى الأعلى