مقالات الرأي

قمة الدوحة.. بيان هزيل وتجاهل دماء غزة

بقلم/ عبد الله ميلاد المقري 

لم يشهد تاريخ القمم العربية والإسلامية مشهدًا أكثر بؤسًا مما حدث في قمة الدوحة الأخيرة. فالبيان الختامي الذي صدر عنها كان ضعيفًا، تافهًا، ومبتذلًا، لا يرقى إلى مستوى الكارثة الإنسانية في غزة، بل منح العدو الصهيوني غطاءً جديدًا ليستمر في عدوانه، وفتح الباب أمام أمريكا وحلفائها الغربيين لتبرير دعمه سياسيًا وعسكريًا.

المأساة أن القمة الموسعة، المنعقدة على مقربة من القاعدة الأمريكية العسكرية، وفي غياب الصوت القوي القادم من الجماهيرية الذي اعتادت الجماهير العربية أن تسمعه بوضوح، تجاهلت الكارثة الكبرى في غزة، حيث تجاوز عدد الشهداء 98 ألفًا، 80% منهم من الأطفال. ورغم هول المأساة، أسقطت القمة هذه الجريمة من أولوياتها، مركّزة على حادثة فردية لمقتل رجل أمن في قطر. هذا التوازن المشوّه بين دماء شعب بأكمله وحادثة معزولة يُظهر كيف باتت بعض القمم العربية تُسوّي بين الضحية والجلاد، وتُقدّم مبررات للعجز الرسمي.

الأخطر أن جلسات القمة نُقلت بعدسات المصورين بأسماء الدول المشاركة مكتوبة بالإنجليزية، وكأننا في قمة أطلسية أو أوروبية، لا قمة عربية. هذا التفصيل الصغير يكشف توجهًا خفيًا لطمس الهوية، وربما التمهيد لفرض العبرية مستقبلًا كلغة مطلوبة عند بعض المتصهينين الذين يختبئون وراء شعارات الانفتاح والتطوير.

لقد تحولت القمة إلى استعراض بروتوكولي بارد، تُتلى فيه الكلمات ثم يُحفظ البيان في الأدراج، بينما أطفال غزة يُذبحون تحت القصف. لم تحمل القمة أي التزام فعلي بوقف العدوان، ولم تضع حدًا للتفويض المفتوح الذي حصلت عليه إسرائيل من أمريكا والغرب. قمة الدوحة لم تكن حدثًا عابرًا، بل جرس إنذار للأمة العربية بأن هويتها وكرامتها في خطر. بيانها الضعيف كشف حجم الانقسام والتبعية، ورسّخ واقعًا جديدًا تُدار فيه قضايانا المركزية وفق مصالح خارجية، لا وفق إرادة الشعوب.

إن التاريخ لن يرحم من تواطأ أو صمت، والأمة لن تغفر لمن باع دماء فلسطين ببيانات شكلية لا قيمة لها. فالوقت لم يعد يتسع للمجاملات الدبلوماسية، بل لموقف عربي حقيقي يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية، وينقذ الهوية من محاولات الطمس والتبديد. ولن يكون لهذا البيان أي قيمة سياسية أو استراتيجية، بل إنه يمنح العدو الصهيوني فرصة لاجتياح قطاع غزة والضفة الغربية. ولم يجف حبر هذا البيان التعيس بعد، حتى كان الغزو الصهيوني البري والبحري والجوي في طريقه بأسلحة وعتاد وصواريخ حديثة وصلت إلى الكيان من الجيوش الأمريكية وقواعد الدولة الإمبريالية، وفي مقدمتها قاعدة العديد في الدوحة. ولم يكتفِ العدو الصهيوني بذلك، بل واصل عدوانه المتكرر على اليمن، في رسالة واضحة إلى قادة قمة الدوحة.

زر الذهاب إلى الأعلى