مقالات الرأي

فلسطين بين الوعد والاعتراف 

بقلم/ عبدالسلام محمد إسماعيل

أصدر وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور وعده الشهير سنة 1917م، القاضي بمنح وطن قومي لليهود على أرض فلسطين الذي عرف (بوعد من لا يملك لمن لا يستحق).

بعد ما يزيد على ثلاثة عقود أعلن عن قيام دولة الكيان الغاصب، حيث جرت عملية (تسليم مفتاح) بين بريطانيا بوصفها سلطة الانتداب وسلطة الكيان.

خطورة وعد بلفور لم تكن فقط في الإعلان عن الوطن الجديد لليهود، بل تمثلت في التزام بريطانيا وبقية الدول الغربية بحماية دولة الكيان، حيث أخذت تلك الحماية كافة الصور والأشكال، سواء السياسية أم الاقتصادية أم حتى العسكرية، وتجلت هذه الأخيرة في العدوان الثلاثي (إنجلترا، فرنسا، الكيان الصهيوني) ضد مصر سنة 1956م.

شكلت الحماية السياسية الغربية للكيان الصهيوني عاملًا حاسمًا لاستمرار وجوده كدولة في محيط معادٍ، حيث قادت الدول الغربية معركة قرار التقسيم ضد الدول العربية الرافضة له (قرار الجمعية العامة رقم 181 لسنة 1947م) والقاضي بإنهاء الانتداب البريطاني وتقسيم فلسطين إلى دولة فلسطينية ودولة للكيان وسلطة محايدة للقدس.

مضمون قرار التقسيم يشير بوضوح إلى حل الدولتين الذي تقف وراءه الدول الغربية فيما ترفضه الدول العربية، إثر ذلك انفجر الصراع العسكري بين العرب والكيان الصهيوني.

في أواخر ثمانينيات القرن الماضي اندلعت ثورة الحجارة على كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة بسبب الممارسات الصهيونية القمعية ضد الشعب الفلسطيني، لم تهدأ هذه الانتفاضة إلا بعد الإعلان عن محادثات أوسلو 1991م واتفاقات مدريد 1993م. غير أن التطورات السياسية والعسكرية جعلت تلك الاتفاقيات وما نتج عنها ذات طبيعة صورية وكرتونية ولا أثر لها على الشعب الفلسطيني وحقوقه المغتصبة. 

بسبب الجمود السياسي والتوسع الاستيطاني وسياسة الاقتلاع والتهجير والتجويع، اندلعت أحداث أكتوبر 2023 م التي أنتجت في شقها السياسي تحولًا في الرأي العام العالمي لصالح الشعب الفلسطيني والإقرار بحقوقه المشروعة، خصوصًا بعد التحول في الموقف العربي وأيضًا الصهيوني، حيث قبل العرب الحل الغربي للقضية الفلسطينية (حل الدولتين) فيما أصبحت دولة الكيان الصهيوني ترفضه، الأمر الذي حدا بالدول الغربية وفي مقدمتها فرنسا وإنجلترا إلى إعلان الاعتراف بدولة فلسطين انسجامًا مع موقفهم الأساسي المعبر عنه في قرار التقسيم باعتبار الاعتراف من المتطلبات الأساسية لحل الدولتين.

الاعتراف الغربي بدولة فلسطين لا يحمل ذات القيمة التي يحملها وعد بلفور، فهذا الأخير يرتب التزامًا قانونيًا في ذمة الواعد يلزمه الوفاء به، في حين يمثل الاعتراف مجرد إقرار من طرف ثالث بحق لطرف لدى طرف آخر، وبذلك فإن هذا الأمر لا يرتب التزامًا قانونيًّا لدى المعترف بقدر ما يمثل الوعد. غير أن أهمية الاعتراف تجد أساسها في قواعد القانون الدولي التي تفرض على الدول واجب تقديم المساعدة للشعوب المناضلة من أجل التحرر من الاستعمار والاستقلال الوطني.

زر الذهاب إلى الأعلى