الانتصار الفلسطيني في انتزاع الاعترافات بالدولة ومواجهة المواقف الأمريكية – الصهيونية

بقلم/ محمد علوش
يمثل تراكم الاعترافات الدولية بدولة فلسطين محطة تاريخية في مسار النضال الوطني الفلسطيني، وانتصارًا سياسيًا ومعنويًا للشعب الذي لم يتوقف عن الدفاع عن حقه في الحرية والاستقلال منذ أكثر من سبعة عقود، فكل اعتراف جديد ليس حدثًا رمزيًا فحسب، بل هو إسهام في بناء جدار الشرعية الدولية الذي يعلو يومًا بعد يوم ليواجه رواية الاحتلال القائمة على النفي والإلغاء والتشويه.
لقد جرى ترسيخ حقيقة أن فلسطين ليست مجرد قضية إنسانية أو نزاع سياسي قابل للمساومة، بل قضية تحرر وطني تستند إلى الشرعية الدولية وحق تقرير المصير، ولذلك فإن اعتراف دول العالم بدولة فلسطين يعني عمليًا كسر جزء من الهيمنة الأمريكية – الصهيونية على القرار الدولي، وفتح نافذة أمل أمام الشعب الفلسطيني لتثبيت مكانته بين الأمم.
إن الموقف الأمريكي، الذي ظل لعقود يشكل مظلة سياسية للاحتلال، يقف اليوم عاريًا أمام الحقائق المتغيرة، فواشنطن التي ترفع شعار “حل الدولتين” لم تترجمه يومًا إلى التزام عملي، بل كانت دائمًا شريكًا في تعطيل القرارات الدولية، مستخدمة “الفيتو” كسيف مسلط على رقاب العدالة، وها هي الآن تجد نفسها في مواجهة مع إرادة عالمية متنامية تؤكد أن الشعب الفلسطيني يستحق دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وأن سياسة الاستيطان والضم والتهويد لم تعد قادرة على إخفاء جوهر الاحتلال.
أما الكيان الصهيوني، الذي سعى عبر القوة العسكرية الغاشمة والدعاية المضللة إلى تكريس مشروعه الاستعماري الاستيطاني، فيواجه اليوم عزلة متزايدة، فكلما ارتفع عدد الدول التي تعترف بفلسطين، ضاق الخناق على روايته الزائفة، وازدادت خسارته في معركة الرأي العام العالمي، وإن الإبادة الجماعية المتواصلة في غزة، وسياسة العقوبات الجماعية والحصار، وسياسة التوسع الاستيطاني في الضفة، كلها جرائم تفضح الاحتلال وتجعله في موقع المتهم أمام محكمة الضمير الإنساني.
من هنا، فإن انتزاع الاعترافات ليس نهاية الطريق، بل هو خطوة على مسار طويل يحتاج إلى استثمار سياسي ودبلوماسي منظم، وإلى بناء استراتيجية فلسطينية موحّدة تعطي لهذا الإنجاز معناه الفعلي، وإن الاعترافات المتراكمة ينبغي أن تتحول إلى قوة ضغط لفرض محاسبة الاحتلال على جرائمه، ولتثبيت دولة فلسطين عضوًا كاملًا في الأمم المتحدة، بما يفتح الباب أمام ممارسة سيادتها الكاملة على أرضها.
لقد أثبت الشعب الفلسطيني أن إرادته قادرة على فرض حضور دولته في العالم، رغم كل محاولات التهميش والإقصاء، ومعركة الاعترافات هي تعبير عن هذا الإصرار، وعن أن فلسطين لن تختفي من الوعي الدولي مهما تواطأت قوى كبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، مع الاحتلال، وإن هذا الانتصار، الذي يكتمل بالصمود على الأرض والنضال بوجه الاحتلال، يثبت أن المشروع الصهيوني لن ينجح في ابتلاع فلسطين، وأن العدالة وإن تأخرت فهي لا بد أن تتحقق.
إن العالم الذي بدأ يسمع الصوت الفلسطيني أكثر من أي وقت مضى، مطالب اليوم بموقف حاسم، فإما أن يقف مع حق الشعوب في الحرية والاستقلال، أو أن يستمر في ازدواجية المعايير التي تشكل غطاءً لجرائم الاحتلال، وما تفرضه الاعترافات الدولية من واقع جديد هو أن فلسطين باتت حقيقة سياسية وقانونية لا يمكن محوها أو الالتفاف عليها، مهما اشتد التحالف الأمريكي – الإسرائيلي.
فلسطين تنتصر بالاعترافات، لكنها تتطلع أيضًا إلى يوم الانتصار الأكبر، يوم تجسيد الدولة المستقلة على كامل ترابها الوطني، وعاصمتها القدس.