إضاءات قانونية حول جرائم الموظفين

بقلم/ أسماء الفسي
يعتبر الموظف العام ممثلًا للدولة عند أدائه لمهام وظيفته، وهو يمارس هذه المهام استنادًا إلى السلطة التي تضعها الدولة بين يديه، ومن واجبه، بل لزاما عليه أن يستعمل هذه السلطة لتحقيق الصالح العام.. غير أنه إذا انحرف بهذه السلطة الممنوحة له لتحقيق مآرب ومصالح شخصية يكون بذلك قد أساء إلى الدولة، وأضعف ثقة مواطنيها في نزاهتها وسلامة تصرفاتها.. لذلك كانت جرائم الموظفين من الموضوعات المهمة الجديرة بالدراسة في كل المجتمعات المنظمة، ومن ثم فقد أوليت اهتمامًا خاصًا في هذه السلسلة من الإضاءات القانونية لما لتأثير هذا النوع من الجرائم في إدارة الدولة.
ولكون الموظف العام يتمتع عادة بسلطات خطيرة، إذ إنه مكلف بحكم القانون بأداء أعمال وظيفته في نزاهة وحَيْدة تحقيقًا للمصلحة العامة، فيمتنع عليه بطبيعة الحال أن يستغل سلطات وظيفته الممنوحة له لتحقيق مصالح شخصية له أو لغيره، أو يتعدى على حقوق الغير طمعًا في مكسب أو تحقيقًا لمصلحة خاصة لا يقرها القانون.. وانحراف الموظف بسلطات وظيفته واستغلالها لتحقيق مآرب خاصة يتم في عدة صور، ويفرض لها المشرع عقوبات مختلفة حسب جسامة كل جريمة.
وتكمن خطورة هذه الجرائم في أنها تصدر من أشخاص اؤتمنوا على المرافق العامة ومواردها ما يستوجب إحاطتها بنصوص قانونية خاصة وإجراءات عقابية صارمة رادعة لضمان نزاهة إدارة المرافق العامة وجهازها الإداري وحماية المصلحة العامة..
والجرائم التي يرتكبها الموظفون يمكن تقسيمها إلى فئتين: الأولى تشمل الجرائم التي لا تقع إلا من الموظف العام ومن في حكمه، وتمثل إساءة لأعمال الوظيفة، بمعنى أن صفة الموظف تعتبر ركنًا أساسيًّا في الجريمة، والمثال على هذا النوع من الجرائم جريمة الرشوة محل هذه الإضاءات وجريمة الاختلاس.. الفئة الثانية هي الجرائم التي تقع من الموظفين ومن غيرهم، ولكن صفة الموظف تعتبر ظرفًا مشددًا للعقوبة مثل جريمة التزوير.. غير أننا سنقتصر في هذه السلسلة حول النوع الأول من جرائم الموظفين ومن بينها وأكثرها أهمية جريمة الرشوة.
جريمة الرشوة.. إن اتجار الموظف بأعمال وظيفته من أخطر صور العبث بالوظيفة العامة، لأنه يهبط بها إلى مستوى السلع فتصبح محلًّا للمساومة.
والحقيقة لا يكفي في حدود دراستنا التوقف فقط عند حدود دراسة ورصد العقوبات المتخذة ضد جريمة الرشوة لكي تتوقف الرشوة كظاهرة اجتماعية مشينة، بل نحن بحاجة إلى وسائل إحياء الضمير والتخلق بخلق الأمانة والنزاهة والوازع الديني عند أداء مهام الوظيفة المكلفين بها، فالعلاج الاجتماعي والإعلامي هو أحد أهم وأنجع الحلول على الأقل في الحد منها كظاهرة، وهذا يجعلنا نركز على الجانب الوقائي في هذه الدراسة، وهي مرحلة ما قبل ارتكاب جريمة الرشوة، وهي مسببات ارتكابها.. والوسائل الكفيلة بالقضاء على انتشارها أو الحد منها على أقصى تقدير.. فما الرشوة؟ وما أركانها، وصفات مرتكبيها؟