مقالات الرأي

السيادة والحرية بين الشعار والممارسة: قراءة نقدية في تجربة حركة سياسية ليبية

بقلم/ محمود امجبر 

في المشهد السياسي الليبي المتقلب، تبرز بعض الحركات التي تحاول أن تشق طريقها وسط الركام، مستندة إلى شعارات وطنية ومبادئ تبدو واعدة. من بين هذه الحركات، تنظيم سياسي تأسس في الخارج عام 2012، وانتقل إلى الداخل الليبي عام 2015، ثم حصل على ترخيص حزبي رسمي في 2019. هذه الرحلة الزمنية تطرح تساؤلات جوهرية حول الدوافع، والقدرة على التفاعل مع الواقع الليبي، ومدى تمثيلها الحقيقي للمواطن الليبي.

تأسيس الحركة في الخارج قد يُفهم على أنه محاولة للهروب من القيود الأمنية والسياسية التي كانت سائدة في الداخل، لكنه أيضًا يثير شكوكًا حول مدى ارتباطها بالواقع الليبي حينها. هل كانت الحركة تعبر عن نبض الشارع الليبي، أم أنها كانت نتاجًا لنخب مغتربة تسعى لإعادة تشكيل المشهد من الخارج؟ انتقالها إلى الداخل عام 2015 قد يُعد خطوة إيجابية، لكنه لا يعفيها من مسؤولية إثبات قدرتها على التفاعل مع تعقيدات الواقع المحلي.

“السيادة للوطن والحرية للمواطن” هو شعار يحمل طابعًا وطنيًا جذابًا، لكنه يظل مجرد عبارة ما لم يُترجم إلى سياسات واضحة ومواقف عملية. هل استطاعت الحركة أن تقدم برامج تعزز السيادة الوطنية في ظل التدخلات الخارجية المتعددة؟ وهل دافعت فعليًا عن حرية المواطن في بيئة سياسية يغلب عليها الاستقطاب والانقسام؟ الشعار وحده لا يكفي، بل يجب أن يكون مدعومًا بأداء ملموس.

تنظيم الندوات والمؤتمرات والصالونات السياسية يعكس حيوية في الأداء، لكنه لا يُعد مؤشرًا كافيًا على الفاعلية السياسية. السؤال الأهم: هل استطاعت هذه الحركة أن تؤثر في السياسات العامة؟ هل لها تمثيل في المؤسسات التشريعية أو التنفيذية، أم أن نشاطها يظل محصورًا في الفضاء الإعلامي والنخبوي؟ الفاعلية الحقيقية تُقاس بالقدرة على إحداث تغيير ملموس في حياة المواطن.

انخراط الحركة في شراكات مع أحزاب وطنية أخرى قد يُعزز من حضورها، لكنه أيضًا يضعها أمام تحدي الحفاظ على استقلاليتها. هل هذه الشراكات قائمة على تكامل في الرؤى والمصالح، أم أنها مجرد تحالفات تكتيكية تفرض تنازلات سياسية؟ في ظل غياب الشفافية، تبقى هذه الأسئلة معلقة.

امتلاك الحركة لوسائل إعلامية مثل إذاعة الأفق وقناة البلاد وصحيفة “الموقف الليبي” يمنحها قدرة على التواصل الجماهيري، لكنه يطرح تساؤلات حول مدى استقلالية هذه الوسائل. هل تنقل هذه المنصات الواقع الليبي بموضوعية، أم أنها مجرد أدوات ترويجية للحركة؟ الإعلام يجب أن يكون وسيلة للتنوير لا للتعبئة الحزبية.

لا شك أن هذه الحركة السياسية تمثل محاولة جادة لإعادة تشكيل المشهد الليبي، لكن نجاحها لا يُقاس بعدد الفروع أو حجم النشاط الإعلامي، بل بقدرتها على تقديم مشروع وطني جامع، يُترجم شعاراتها إلى سياسات، ويضع المواطن في قلب العملية السياسية. فهل تستطيع أن تكون أكثر من مجرد حركة نشطة؟ وهل تملك ما يكفي من الرؤية والجرأة لتكون فاعلًا حقيقيًا في مستقبل ليبيا؟

منذ انطلاقتها في الخارج عام 2012، لم تكن هذه الحركة مجرد كيان تنظيمي عابر، بل جسدت طموحًا سياسيًا يسعى إلى إعادة تشكيل المشهد الليبي على أسس وطنية حديثة. انتقالها إلى الداخل عام 2015 لم يكن مجرد خطوة جغرافية، بل كان تحولًا استراتيجيًا نحو التفاعل المباشر مع الواقع الليبي، بكل ما يحمله من تحديات أمنية وسياسية واجتماعية.

طوال سنوات نشاطها، استطاعت الحركة أن تؤسس شبكة واسعة من المكاتب والفروع، وتنظم عشرات الندوات والصالونات السياسية، وتبني جسورًا مع أحزاب وطنية أخرى، ما يدل على ديناميكية تنظيمية ونضج في الأداء السياسي. لكن الأهم من ذلك، هو انتقالها إلى حزب سياسي رسمي عام 2019، استجابة لمتطلبات العمل السياسي المؤسسي، واعترافًا بأهمية الشرعية القانونية في التأثير وصناعة القرار.

يقود هذا الحزب نخبة من القيادات الوطنية، من مثقفين، أكاديميين، وضباط سابقين، ممن يحملون رؤية واضحة لإعادة بناء الدولة الليبية على أسس السيادة والحرية. هؤلاء يشكلون القاعدة الفكرية والتنظيمية التي تبرز الحزب في المشهد السياسي، ويقودون جهودًا حثيثة في ملفات الشأن المحلي والخارجي، من خلال الإعلام، الحوار، والمشاركة في المبادرات الوطنية.

أما في ما يتعلق بالموقف من القضايا الأمنية، فقد اتخذ الحزب موقفًا واضحًا في دعم القوات المسلحة الليبية في حربها ضد الإرهاب والتطرف، معتبرًا أن استعادة سيادة الوطن لا يمكن أن تتحقق إلا عبر مؤسسات أمنية وطنية قوية، قادرة على فرض القانون وحماية المواطن. هذا الموقف لا يعكس فقط انحيازًا للجيش، بل يعكس رؤية استراتيجية تعتبر الأمن شرطًا أساسيًا لأي تحول ديمقراطي أو تنموي.

في المحصلة، فإن هذا الحزب لا يسعى فقط إلى التواجد السياسي، بل إلى إحداث تغيير حقيقي في بنية الدولة الليبية، عبر مشروع وطني جامع، يوازن بين السيادة والاستقرار، وبين الحرية والمسؤولية. فهل سينجح في تحويل شعاراته إلى واقع ملموس؟ هذا ما ستجيب عنه السنوات القادمة، في ظل استمرار التحديات وتعدد الأطراف الفاعلة في ليبيا.

زر الذهاب إلى الأعلى