صوت من منصة الأمم المتحدة: شهادة رئيسة الأرجنتين وصرخة الحق في وجه العالم

بقلم/ الدكتور نجمي الصاوط
في عالمٍ تتنازع فيه القوى الكبرى على صناعة الروايات وتوجيه الرأي العام، يطلّ موقف نادر من على منصة الأمم المتحدة، حين اختارت رئيسة جمهورية الأرجنتين أن تكسر حاجز الصمت، لتضع النقاط على الحروف وتواجه الحاضرين بحقائق طالما حاول كثيرون دفنها تحت ركام الإعلام والسياسة.
كلماتها لم تكن مجرّد خطاب عابر، بل جاءت بمثابة محاكمة علنية للمجتمع الدولي. بجرأة غير معهودة تساءلت: هل حاربتم العقيد القذافي وقتلتموه أمام أسرته وشعبه من أجل حرية ليبيا؟ كلا. أين المرتزقة الذين اتهمتم القذافي بجلبهم لقتل شعبه؟ أين الأموال التي زعمتم أنه سرقها؟ لقد وضعت علامات استفهام كبرى أمام كل ما رُوِّج في سنوات الفوضى، وأظهرت أن ما جرى لم يكن تحريرًا لليبيا، بل تفكيكًا لسيادتها وإدخالها في نفق التبعية والاضطراب.
بهذا الموقف وصفت بوضوح أن الشعوب التي ادعت القوى العظمى تحريرها إنما أُعيدت إلى دائرة العبودية، وأن من تصدّروا مشهد الإنقاذ هم أنفسهم الذين جلبوا الخراب ونهبوا الأموال. قالتها أمام الجميع: أنتم المرتزقة الحقيقيون، أنتم من سرقتم خيرات ليبيا.
ولم تكتفِ رئيسة الأرجنتين بكشف الزيف، بل تركت للعالم وصية سياسية وأخلاقية قبل مغادرتها الرئاسة. كلماتها ستظل خالدة في ذاكرة الأحرار، لأنها أعادت التذكير بأن الحقيقة لا تموت مهما حاول الإعلام تزييفها. لقد انحازت للتاريخ لا للواقع المصطنع، ووقفت في لحظة مفصلية لتقول: هذه هي الحقيقة التي لا يريد العالم أن يسمعها.
إن ما قالته لم يكن دفاعًا عن شخص بقدر ما كان دفاعًا عن مبدأ: سيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها بعيدًا عن الوصاية الأجنبية. لقد طرحت أمام العالم تساؤلًا مفتوحًا: هل ما جرى في ليبيا كان فعلًا ثورة حرية، أم كان تدخّلًا دوليًّا سافرًا لإعادة رسم خريطة المصالح؟
بهذا الموقف الشجاع، غادرت رئيسة الأرجنتين منصة الأمم المتحدة، لكنها تركت وراءها كلمات ستبقى محفورة في التاريخ، كلمات تعكس ضميرًا حيًا في زمن عزّ فيه الضمير. لقد كانت رسالة إلى كل الشعوب: لا تنخدعوا بما يُبثّ لكم من روايات جاهزة، وابحثوا دائمًا عن الحقيقة التي يحاول العالم أن يصمّ أذنه عنها.
إنها لحظة تذكير بأن الأصوات الحرّة، مهما قلّت، تظلّ هي التي تحفظ للتاريخ شرفه، وللشعوب حقها في أن تعرف من الذي باع، ومن الذي ضحّى، ومن الذي تجرأ ليقول الحقيقة في وجه الجميع.