مقالات الرأي

فلسطين بين الأطلال والاعتراف البارد

بقلم/ الدكتور نجمي الصاوط

لم يعرف العالم فلسطين الا بعد ان صارت اطلالا، ولم يعترف بها الا بعد ان سفكت دماء اهلها، وكأن هذا الاعتراف المتأخر مجرد توقيع بارد على شهادة وفاة وطن لم يمت، وما زال حيا في قلوب ابنائه، نابضا بالعزة والكرامة.

القضية الفلسطينية ليست مجرد ملف سياسي يثار في دهاليز الامم المتحدة، وليست مجرد نزاع حدودي يمكن حله بتفاهمات عابرة، بل هي جرح مفتوح في ضمير الانسانية منذ اكثر من سبعة عقود. فلسطين تعرضت لابشع صور التهجير والاقتلاع، حيث هدمت القرى وطمست المعالم وشرد الاهالي، لكن رغم كل ذلك لم تستطع آلة الاحتلال ان تمحو من ذاكرة الاجيال حقهم الاصيل في الارض.

الغريب ان العالم لم يلتفت الى فلسطين الا بعد ان غطت الدماء وجهها، وبعد ان صارت صور الشهداء والدمار تتصدر الشاشات. عندها فقط بدأ الحديث عن “الاعتراف” و”الحل” و”العدالة”. لكن ما قيمة اعتراف متأخر يأتي بعد ان تحولت المدن الى اطلال والبيوت الى ركام والعائلات الى حكايات حزن؟ انه اعتراف بارد، اشبه بتوقيع شهادة وفاة، يتعامل مع فلسطين كأنها مجرد صفحة من الماضي، بينما هي ما زالت حية في وجدان ابنائها وفي روح كل من آمن بالحرية.

ابناء فلسطين لم يرفعوا الراية البيضاء رغم التضحيات الجسيمة، ولم يقبلوا بان يتحول وطنهم الى مجرد ذكرى. على العكس، جعلوا من كل حجر وشجرة وذاكرة اعلانا للتمسك بالارض، واكدوا ان فلسطين ليست قضية تموت بمرور الزمن، بل هي قضية اجيال متعاقبة، كل جيل يسلم الراية للذي يليه.

ان الاعتراف الحقيقي بفلسطين لا يكون بقرارات متأخرة ولا ببيانات تضامن لفظية، بل يكون بدعم صمود اهلها وحماية حقهم المشروع في العودة والحرية واقامة دولتهم المستقلة. الاعتراف الصادق ليس شهادة وفاة، بل شهادة ميلاد جديدة لوطن يصر على الحياة مهما اشتدت المحن.

فلسطين ليست اطلالا كما يراها العالم من بعيد، بل هي روح متقدة، تنبض في قلوب ابنائها، وتكبر مع كل طفل يولد على ارضها او في الشتات وهو يحمل في عينيه صورة وطن لم يره، لكنه يعيش فيه. لهذا ستبقى فلسطين حية، عصية على الموت، شاهدة على ان الحق لا يموت مهما طال الزمان.

زر الذهاب إلى الأعلى