التحالف مع العدو!!

بقلم/ عبدالله الربيعي
“الذين دمّروا المعبد على رؤوس شعوبهم لم يجنوا إلَّا الخيبات والإذلال، درس تعلّمناه من تاريخنا المعاصر”.
في ظل الصراع الدولي المحموم بين الشرق والغرب، أي بين التحالف الرأسمالي الغربي الأطلسي من جهة، والكتلة الشرقية السوفيتية الشيوعية من جهة أخرى، فبعد الحرب العالمية الثانية في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات إلى ثمانينيات القرن العشرين، وجدت شعوب العالم الثالث في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية متنفسًا للولوج إلى الحرية والاستقلال والنهوض والتحرر من هيمنة الاستعمار والاحتكارات.
شهدت تلك السنوات في ظل الحرب الباردة بين الكبار نهوضًا واسعًا لحركات التحرر الوطني وحروب التحرير الشعبية، ومقاومة لوجود القواعد العسكرية ورفضًا لهيمنة الشركات الكبرى التي كانت تحتكر إنتاج وتسويق النفط من الاستكشاف والتنقيب إلى الإنتاج والتوزيع وحتى تحديد سعر بيع برميل النفط في السوق الدولي، والذي كان سعره أقل من دولارين حتى عام 1971.
انعكاسًا لكل ذلك، شهدت منطقتنا، التي تسمى اليوم بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا — الوطن العربي والبلاد الإسلامية- نهوضًا وطنيًّا وقوميًّا تحرريًّا. ولقد كنا أكثر حيوية ونشاطًا ومشاركة في التفاعل الدولي، وتمكّنت شعوبنا بشكل مباشر وغير مباشر من تحرير أراضيها وطرد قواعد ومعسكرات الاستعمار من قناة السويس وإجلاء البريطانيين منها وتأميم القناة كصرخة مدوية في المنطقة. تبع ذلك قيام ثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا التي طردت القواعد البريطانية والأمريكية وأمّمت شركات النفط وفرضت سعرًا عادلًا لبرميل النفط وعدّلت سياسات إنتاج النفط وفق حاجة ليبيا للتنمية، وليس إرضاءً لمتطلبات الدول الصناعية.
وانتقلت الشعلة الثورية إلى الجنوب العربي: ثورة اليمن ضد عهد الإمامة والرجعية، والثورة المسلحة ضد الإنجليز في عدن، وثورة 14 تموز في العراق التي فككت حلف بغداد المرتبط بالاستعمار. وفي غرب الوطن شهدت الجزائر أعظم ثورة تحرير شعبية، التي على أثرها طُرد الاستعمار الفرنسي الذي تطاول لأكثر من مائة وثلاثين سنة.
وانطلقت في منطقتنا العربية مشروعات للتنمية والإعمار، وفي مجال الخدمات الاجتماعية حصلت تطورات كبيرة في مجال الصحة والتعليم والبنية التحتية. لم يكن لينجز ذلك لولا مساندة الاتحاد السوفيتي ووقوفه معنا معنويًّا وسياسيًّا، ومدّنا بالأسلحة الدفاعية المتطورة. ولم يكن هذا الموقف تطوعًا أو كرمًا، ولكنه أتى نكاية في الغرب الذي كان يهيمن على جغرافية العالم كله وينهب خيراتها ويسيطر على المواد الخام اللازمة لصناعته ولتطوره الاقتصادي والعسكري، ويتحكم في أهم المنافذ البحرية الاستراتيجية ويهيمن على التجارة العالمية لتصريف منتجاته الصناعية المختلفة.
في ظل ذلك الصراع المحموم على الموارد وعلى مناطق النفوذ، شهدت ثمانينيات القرن العشرين هجومًا مرتدًا من طرف الرأسمالية العالمية، حيث السباق على التسلح الذي أرهق اقتصاديات المنظومة الشيوعية، وأثار أزمة تدخل السوفييت لصالح حكومة أفغانستان الشيوعية التي استغلها الأمريكان وحلفاؤهم في تطويق وهزيمة الاتحاد السوفيتي بواسطة “الجهاد الإسلامي (الوهابي الإخواني)” والمال الخليجي.
هذه الحرب المدمرة التي استمرت عقدًا من الزمن خرج منها الاتحاد السوفيتي مهزومًا ومفككًا لصالح الرأسمالية الغربية، ولصالح سيادة أمريكا كقطب منفرد مارس سياسة الغاب في المجتمع الدولي برمته. وكانت منطقتنا العربية الإسلامية أولى ضحاياه، فدُمّرت العراق وتم احتلالها عام 2003، وتم حصار ليبيا بذريعة “لوكربي” خلال عقد التسعينيات.
ونفّذت أمريكا وحلفاؤها ما سُمّي بـ”الفوضى الخلّاقة” تمهيدًا للشرق الأوسط الجديد من خلال إطلاق “ثورات الربيع العربي” التي دمّرت ليبيا وسوريا واليمن، وكان المخطط أيضًا تدمير مصر لولا جيشها العظيم الذي انتشلها من المخطط الهدّام بالتفاف شعبي مليوني أفحم الأعداء وبثّ في نفوسهم الرعب، بشهادة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة وأكبر المخططين الأمريكيين.
وفي كل انتصارات الغرب استخدم الطابور الخامس الذي أنتجته الحرب في أفغانستان (الأفغان العرب الذين تطورت تنظيماتهم إلى القاعدة وداعش والنصرة وجيش الإسلام وأنصار الشريعة)، والمال الخليجي. فلولا حصان طروادة هذا، لم نرَ الفوضى في ليبيا وسوريا وتفكك اليمن، ولا حالة عدم الفاعلية والدور في العراق، ولا حرب الإبادة في غزة أمام مرأى وسمع العالم، ولا فقدان السيادة والدور الفعّال الذي كانت تشهده المنطقة من تفاعلات إيجابية خلال كل العقود المنصرمة قبل تفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط الأنظمة التقدمية والثورية العربية.
فالنتائج الكارثية أنتجتها ما يسمى بـ”الصحوة الإسلامية بالتحالف مع حركة الإخوان المسلمين” والدور التخريبي الذي لعبه المال الخليجي الفائض من مبيعات النفط والغاز المتحالف مع الاحتكارات الرأسمالية الاستعمارية والصهيونية. فجنينا النتائج الكارثية التي كانت وبالًا وسقوطًا وغيابًا للسيادة وتدميرًا لوطننا وتمزيقًا لوحدة شعوبنا ونهبًا لمواردنا وثرواتنا التي نحن في أمسّ الحاجة إليها.
فنحن بأيدينا من دمّر الهيكل على رؤوس شعوبنا من خلال التواطؤ والتحالف مع أعدائنا التاريخيين.