إسرائيل تواصل جنونها في الشرق الأوسط

تقرير ـ سيد العبيدي
«لا مكان آمن في الشرق الأوسط».. بهذا الشعار ردّت إسرائيل على الانتقادات الدولية لعدوانها على قطر في 9 سبتمبر الجاري، زاعمة أن ما أسمته بـ”ذراعها الطويلة ستلاحق خصومها حيثما كانوا”، في تجاهل فج للقوانين والأعراف الدولية وسيادة الدول.
ويُعدّ الهجوم على قطر سابقة خطيرة في سجل الصراع “العربي – الصهيوني” إذ يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التصعيد غير المبرر في المنطقة خارج نطاق الصراعات التقليدية، حيث لم يعد البعد الجغرافي أو التحالفات السياسية تقي الدول من الاستهداف الصهيوني.
وتُظهر حكومة بنيامين نتنياهو المتطرف المطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية، استخفافًا واضحًا بالمعايير الدبلوماسية والأعراف الأممية، في ظلّ دعم أمريكي غير مشروط منحها غطاءً سياسيًا لتحركاتها وعربدتها في الشرق الأوسط.
ضرب قطر يستهدف الوساطة
وترتبط الهجمات التي طالت قطر، رغم بُعدها عن خطوط الاشتباك التقليدية، بدورها في الوساطة والمصالح السياسية والاستراتيجية، وليس بالاحتكاكات العسكرية المباشرة، كما يُبرز هذا التصعيد جملة من التحديات أمام الدول العربية والإسلامية، سواء على صعيد صياغة الردود السياسية والدبلوماسية، أم على صعيد حماية الأمن الداخلي والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
ومنح غياب قوة ردع فعالة، سواء من المنظمات الدولية أم بعض الدول الإقليمية، الكيان الصهيوني هامشًا واسعًا لمواصلة سياساته المتعجرفة والمتهوّرة، بما يشمل الاغتيالات، وضم الأراضي، وشن هجمات على دول تربطها بها علاقات سياسية أو اقتصادية، ما يهدد التوازن الإقليمي ويزيد من احتمالات الفوضى الجيوسياسية.
دعوات مقاطعة الصهاينة تتصاعد
في هذا السياق، تتزايد الدعوات الإقليمية لتوحيد المواقف العربية والإسلامية، بما في ذلك المقاطعات السياسية والاقتصادية، لإعادة فرض التوازن ووقف التصعيد، رغم التعقيدات الناتجة عن مصالح التطبيع المتغلغلة وعن السياسات الإقليمية المتشابكة.
كما يضع هذا الواقع الجديد المنطقة أمام اختبار حقيقي لقدرتها على حماية سيادتها ومصالح شعوبها، ويستدعي قراءة دقيقة لتوازنات القوة، واستحضار استراتيجية شاملة تجمع بين البعد الأمني والدبلوماسي والسياسي.
الاحتلال يستهدف قطر
وفي 9 سبتمبر الجاري استهدف الاحتلال الصهيوني بغارة جوية مباني سكنية في العاصمة القطرية الدوحة أثناء اجتماع الوفد الفلسطيني لمناقشة مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ما أسفر عن سقوط شهداء.
ودانت دولة قطر الهجوم واعتبرته انتهاكا صارخا لسيادتها و”إرهاب دولة”، مؤكدة اتخاذها الإجراءات القانونية اللازمة ضد العدوان الصهيوني، في وقت أثار فيه الهجوم إدانات واسعة على المستويين الإقليمي والدولي.
وأكدت الدوحة أنها “لن تتهاون مع هذا السلوك الصهيوني المتهور والعبث المستمر بأمن الإقليم”، ووجهت رسالة إلى مجلس الأمن الدولي تدين فيها الهجوم الإسرائيلي على أراضيها وتصفه بـ”الاعتداء الجبان”، مشددة على أن هذا الحادث الخطير يستدعي انتباها وتحركا فوريا من المجتمع الدولي.
وقال رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إن دولة قطر تعرضت لهجوم “غادر” يُشكل “إرهاب دولة”، مؤكدا أن بلاده “لن تتهاون في الدفاع عن سيادتها وستتعامل بحزم مع أي اختراق أمني”، مشيرا إلى أن استضافة قيادة حماس في الدوحة كان بتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وبطلب منها لأجل تسهيل التفاوض والتواصل، “ورغم ذلك عملت إسرائيل على تخريب المساعي”.
من جهتها أكدت المقاومة الفلسطينية أن كبار مسؤوليها نجوا، في حين استشهد 5 من مرافقي الوفد المفاوض، إضافة إلى العنصر في قوات الأمن الداخلي القطرية بدر سعد محمد الحميدي الدوسري.
وكانت الدوحة قد استضافت جولات عديدة من المفاوضات غير المباشرة بين المقاومة والاحتلال عقب استئناف العدوان الصهيوني على قطاع غزة في مارس الماضي 2025 بعد فترة وجيزة من الهدوء النسبي.
إجراءات للرد على الهجوم الصهيوني
كشف مسؤول قطري رفيع، عن تشكيل فريق قانوني لاتخاذ الإجراءات اللازمة للرد على الهجوم، مؤكدا أن “ما جرى رسالة خطيرة إلى المنطقة مفادها أن هناك لاعبا مارقا يمارس عربدة سياسية”.
وحملت قطر رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مسؤولية التصعيد، قائلة إنه “يقود المنطقة إلى مستوى لا يمكن إصلاحه، ويجب الرد بشكل موحد على همجيته”.
ردود الفعل الإقليمية والدولية
نددت عواصم عربية ودولية بالهجوم الصهيوني الذي استهدف مقرات سكنية لقيادات الوفد الفلسطيني المفاوض في العاصمة الدوحة، كما استنكر المجتمع الدولي انتهاك الاحتلال سيادة دولة قطر.
ودان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الهجوم، قائلا إنه “انتهاك صارخ لسيادة قطر وسلامة أراضيها”، مضيفا أن “الدوحة لها دور إيجابي للغاية في تحقيق وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح جميع الأسرى”، داعيا جميع الأطراف إلى “العمل على تحقيق وقف إطلاق نار دائم في غزة وليس تدميره”.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الهجوم على قطر كان قرارا اتخذه نتنياهو، زاعما أن مثل هذا الأمر لن يتكرر على أرض قطر مجددا، مؤكدا أن الهجوم الأحادي لا يحقق مصالح الاحتلال الصهيوني ولا الولايات المتحدة.
وفي جلسة طارئة دان مجلس الأمن الدولي الهجمات الصهيونية على الدوحة، وأكد أعضاؤه في بيان أهمية وقف التصعيد، مشددين على دعمهم سيادة دولة قطر.
قصف دمشق ضمن سياسة “اليد الطولى”
بالتزامن مع العدوان على قطر، نفذ الطيران الصهيوني هجمات على مواقع في محيط العاصمة السورية دمشق بحجة استهداف “أذرع إيرانية” في المنطقة. وقد أدانت الحكومة السورية الهجوم بشدة، مؤكدة أن الغارات تأتي ضمن سياسة الاحتلال الممنهجة لتوسيع دائرة الصراع وتصفية حساباتها على الأراضي السورية.
وأكدت وزارة الدفاع السورية وقوع القصف من اتجاه هضبة الجولان المحتلة، مشيرة إلى أن الهجوم طال عددًا من المواقع المدنية جنوبي العاصمة، ما أدى إلى وقوع بعض الخسائر المادية.
صنعاء على خط النار
إلى ذلك لم تسلم العاصمة اليمنية صنعاء من التصعيد، حيث أعلنت وزارة الصحة اليمنية، استشهاد 35 شخصا وجرح 131 آخرين بينهم صحفيون جراء العدوان الصهيوني على صنعاء والجوف، وذلك بعد إلقاء 10 طائرات حربية صهيونية نحو 30 قنبلة في الهجوم على اليمن.
كما أعلنت شركة النفط اليمنية أن الهجوم الصهيوني استهدف المحطة الخاصة بالقطاع الطبي في شارع الستين بصنعاء، كما استهدف القصف فرع البنك المركزي في مدينة الحزم بمحافظة الجوف.
ونقلت وكالة رويترز عن مصادر أن الهجوم الإسرائيلي استهدف وزارة الدفاع اليمنية، وقال سكان في صنعاء إن الهجوم استهدف أيضا موقعا بين جبلين يُستخدم مقرا للقيادة والتحكم إلى جانب استهداف مقر وزارة الدفاع.
تهديد صهيوني لليمن
قال رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو: “أصبنا الحوثيين في منشآت وقواعد تضم عددا كبيرا من الإرهابيين ومنشآت أخرى”، وتوعد بمواصلة ضرب كل من يهاجم الأراضي الفلسطينية المحتلة والوصول إليه.
وقال وزير الدفاع الصهيوني يسرائيل كاتس إن قواته قصفت في صنعاء وأماكن أخرى باليمن معسكرات بينها وحدة الإعلام الحوثية.
وأضاف: “لقد وعدنا بتنفيذ ضربات إضافية واليوم وجهنا ضربة موجعة لتنظيم الحوثيين في اليمن”. وأوضح أن ما سماها “يد إسرائيل الطولى” ستصل لتضرب الإرهاب في كل مكان يشكل تهديدا لنا.
وفي بيان عسكري قال الجيش الصهيوني إنه يواصل مهاجمة أهداف عسكرية تابعة للحوثيين في عمق اليمن “بعد تصفيتنا قادة الحوثيين”، موضحا أن غاراته جاءت على خلفية هجمات يقودها الحوثيون ضد الاحتلال. وأضاف “نواصل العمل بقوة في مواجهة الاعتداءات المتكررة للحوثيين”، مشيرا إلى أن من بين الأهداف التي قصفت معسكرات للحوثيين ومقر دائرة الإعلام العسكري وموقعا لتخزين الوقود، كما جدد تصميم “تل أبيب” على “الاستمرار بضرب أي تهديد لمواطني الكيان مهما كان بعيدا”.