الميليشيات وحروب النقطة صفر

بقلم/ ناجي إبراهيم
الحشود والتهديد بالسلاح داخل طرابلس وفي محيطها حتى لو لم تؤد إلى حرب تطيح بالأبرياء بين قتلى وجرحى وخرابا في الممتلكات الخاصة والعامة فهي حتما تخلق حالة من الانفلات الأمني تنشط فيه الجماعات الإجرامية التي تستثمر في الفوضى وغياب الأمن، وتنشر حالة من الهلع والخوف بين ساكني طرابلس وضواحيها، نحس بها ونعيشها ونراها في عيون الناس وفي سلوكهم المتشنج، وتضيف عبئًا إضافيًّا على المواطنين، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية وتدني وتدهور قيمة الدينار وغياب السيولة، وانقطاع المحروقات والكهرباء التي أحالت حياة المواطن إلى جحيم لا يطاق.
إضافة إلى التهديد الأمني والنذر باندلاع الحرب الذي تثيره تلك التحشيدات المسلحة فهي تشكل بوابة أخرى لإهدار الأموال يمس مدخرات الخزانة العامة التي كان من المفروض أن توجه للتنمية وتحسين معيشة المواطنين، وتشكل نزيفًا خطيرًا لشريحة مهمة من أبناء الشعب الليبي، خاصة الشريحة العمرية ما بين الثامنة عشرة والخامسة والثلاثين عامًا، وإذا ما تم القضاء على هذه الشريحة العمرية فسنكون أمام مجتمع تغلب عليه الشيخوخة وغير قادر على النهوض والتنمية، وسيتسول على أبواب صندوق النقد الدولي الذي سيتملك الثروة الليبية من النفط والغاز مقابل تلك القروض التي لا تنتهي ولن تنتهي نتيجة لأرباح الديون التي بالتأكيد لن تذهب للتنمية وستصرف في الاستهلاك.
ما تواجهه العاصمة هذه الأيام بسبب سلوك بعض الأطراف التي أرادت تحويلها إلى ميدان لتصفية حسابات خاصة وخندق أخير للدفاع عن سلطتها، ليس تهديدًا أمنيًّا فقط، بل طوفانًا سيجرف في طريقة أي أمل في مستقبل للأجيال القادمة، وسيكون فوهة بركان ستحرق العيش المشترك الذي شكلته طرابلس لكل سكانها من جميع مدن وقبائل ليبيا، وسنشهد عودة القتل على الهوية القبلية والمناطقية، ومصراتة ستكون أكبر الخاسرين في هذه المعركة إذا اندلعت، وسيصبح أبناؤها بين قتيل وطريد، وسيتم الاستيلاء على أملاكهم في طرابلس ومحيطها.
ربما يربح الدبيبة الظفر بالسلطة إذا لم تتدخل الأمم المتحدة ونفذت خطتها في تشكيل حكومة مؤقتة والذهاب إلى انتخابات برلمانية ورئاسية، لكن مصراتة والمنتمين لها بمختلف تركيباتهم الاجتماعية سيخسرون تواجدهم في طرابلس.
العملية التي يتم الإعداد لها تحت عنوان تفكيك الميليشيات (كلام حق يراد به باطل)، لا يوجد اثنان يختلفان على أن طرابلس وغرب ليبيا تحكمهما الميليشيات والمطالبة بتفكيكها والقضاء عليها مطلب قديم، بل من يوم أن تم تفكيك الجيش الليبي على يد (يوسف المنقوش) وبناءً ما سمي فيما بعد الدروع التي تكاثرت وصارت تهديدا لأمن الوطن والمواطن وانتشرت الجريمة المنظمة بحماية بارونات المال والسلطة التي توفر لها الشرعية القانونية والسياسية والتمويل وحصانة ضد القضاء.
تفكيك الميليشيات لا يتم بتمكين ميليشيات أخرى أكثر خطورة على الأمن، التشخيص متفق عليه لكن العلاج مختلف عليه ولا يجوز علاج الخطأ بخطأ آخر، توجد وسائل وأساليب أخرى تنهي الميليشيات بشكل تام وكامل، إلا أن دولا إقليمية ودولية مستفيدة من هذه الميليشيات تمنع أي خطوات في هذا الاتجاه.
إن الخطوات الانتقائية لم تفلح في إيجاد حل لتواجد هذه التشكيلات المسلحة بسبب التدخل الخارجي، ما أخشاه من هذا التصعيد العسكري على تخوم طرابلس هو وجود أجندات خارجية تسعى إلى إعادة تدوير الميليشيات والفوضى لصالح أطراف سياسية داخل طرابلس، وإفشال الخارطة التي أعلنت عنها مبعوثة الأمين العام في ليبيا (تيتيه) وإعادة الأزمة إلى المربع الأول.
إذا كان هذا صحيحًا، وأنا لا أستبعد ذلك، فهذا يعني أن الأمم المتحدة لا تساعد الليبيين على الخروج من النفق الذي دخلوه بسبب القرارات الدولية عام 2011، بل هي أداة لتنفيذ مخطط غربي استعماري يستهدف تفكيك ليبيا إلى كنتونات صغيرة تدار من الخارج، ليس فقط تقسيم الجغرافيا الليبية شرقًا وغربًا، بل تقسيم المدينة الواحدة إلى مربعات متقاتلة ومتخاصمة ووضع خطوط حمراء وخضراء تكون خطوط تماس، وتتحول مدينة طرابلس إلى ما يشبه بيروت في أثناء الحرب الأهلية في سبعينيات القرن الماضي، ولذلك على الليبيين الانتباه لهذه المخططات الخبيثة، والعمل على طرد البعثة الأممية وقطع التعامل معها، والعمل على البحث عن آلية تنبثق من حوارات (ليبية، ليبية) تقود البلاد إلى مخرج يرضي الليبيين جميعا وينهي هذه المرحلة التي تأذى منها شعبنا وذاق أصنافًا من العذاب في ظلها.