مقالات الرأي

مشاريع لا تموت.!

بقلم/ عبدالسلام محمد إسماعيل

شهدت ليبيا مرحلة حالكة السواد في تاريخها المعاصر، إبان سيطرة الدولة العثمانية على إيالة طرابلس، وما اتسمت به تلك المرحلة من ظلم وقسوة لأهل البلاد ونهب أرزاقهم عبر فرض الضرائب والمكوس (الميري) وإخضاع البلاد والعباد لسطوة الباب العالي. الشعب الليبي لم يرضخ ولم يستكن بعد أن انكشف زيف ادعاءات الخلافة الإسلامية وتغليف الظلم والاستعمار بغلاف الدين، فاندلعت ثورة عارمة بقيادة غومة المحمودي استمرت لسنوات طويلة، ولم تخمد الثورة إلا بعد قتل البطل غومة المحمودي.

في بداية القرن العشرين، توجهت جيوش إيطاليا الفاشية نحو شواطئ ليبيا لاستعمارها، واعتبرتها الشاطئ الرابع، وفرضت واقعًا استيطانيًا على كامل القطر الليبي. رغم قسوة وتفوق الآلة العسكرية الإيطالية ووحشية القادة العسكريين الفاشست، هب الشعب الليبي شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا لمواجهة المستعمر الجديد، واستمر كفاح الشعب الليبي لما يقارب الثلاثين عامًا، قدم فيها أروع ملاحم البطولة والتضحية والفداء.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، انخرط الشعب الليبي في مرحلة التحرر الوطني والاستقلال من أجل بناء دولته المستقلة، ورغم نيله الاستقلال، فإن واقعًا جديدًا فُرض على الشعب الليبي وفق نتائج الحرب العالمية الثانية، حيث جثمت على أرضه مجموعة من القواعد العسكرية الأجنبية، وانتهكت سيادته من خلال ارتهان قراره السياسي لمشيئة الدول الكبرى، كما استمر الوجود الاستيطاني الإيطالي من خلال سيطرته على كل الأراضي الزراعية الخصبة في البلاد، ومن ثم السيطرة على مناحي الحياة الاقتصادية وجعلها في خدمة اقتصاد الدولة الإيطالية.

استمر الشعب الليبي هذه المرة في نضاله السلمي ضد الوجود الأجنبي إلى أن قامت ثورة الفاتح من سبتمبر سنة 1969، بقيادة نخبة من صغار الضباط أطلقوا على أنفسهم “الضباط الوحدويون الأحرار”، وأعلنوا قيام الجمهورية العربية الليبية بأهداف واضحة ممثلة في الحرية والمشاركة والوحدة. 

كان من أولويات الثورة الوليدة إجلاء القواعد الأجنبية وتأميم النفط وتأميم المصارف وشركات التأمين، وتلييب هذا القطاع وإدارته بواسطة كفاءة ليبية شابة. 

كما شملت أولويات الثورة إقامة مشروعات زراعية ضخمة وتوزيعها على أبناء الشعب الفقير، ومحاربة الفقر والجهل عبر إنشاء المدارس والجامعات والمستشفيات، وإعلان مجانية التعليم والعلاج، وفي كثير من الأحيان الإسكان المجاني.

رغم كل ما يُقال اليوم عن هذه الثورة، فإنه لم يستطع أحد أن يثبت أي ارتباط لها بالأجنبي، ولا تفريطها في سيادة الوطن، ولا التهاون في حماية حدوده ومقدراته.

يعيش الشعب الليبي اليوم ظروفًا مشابهة لتلك التي عاشها الآباء والأجداد في منتصف القرن الماضي، ويستحضر عزيمة القوات المسلحة التي قامت بالثورة في الفاتح من سبتمبر سنة 1969، ويستمد منها العزيمة والإصرار على بناء ليبيا حرة مستقلة ذات سيادة تامة على كامل إقليمها، يعيش فيها المواطن بكامل احترامه وحريته.

زر الذهاب إلى الأعلى