ليبيا إلى أين وهل هناك بوادر للحل؟!!! الجزء الأول

بقلم/ محمد عبدالقادر
المتتبع للشأن الليبي سواء أكان ليبيًّا أم مهتمًا بهذا الشأن سيلاحظ مراوحة شبه تامة في الحراك الوطني أو الإقليمي أو الدولي وتكرارًا للأطروحات السياسية والمشاريع والمقترحات، ولذلك تشابهت، حتى الإحاطات المقدمة لمجلس الأمن مكررة في جوهرها بالرغم من تبدل المبعوثين واختلاف مدارسهم السياسية والإدارية وخلفياتها العرقية والثقافية وانتماءاتهم الظاهرة والباطنة، وعدم اختلاف كل هذا يفرض علينا طرح سؤالٍ مهم:
هل يوجد هامش حركة وتقدير موقف للمبعوثين في أداء مهامهم، أم أنهم مقيدون بقيود قوية تقف خلفها مشاريع دولية تحمل في طياتها خلافات الدول ومطامعها ومدى تمحورها في حلف أو تكتل وكيدها وتآمرها؟!!
هنا يحق للمتابع وللمواطن الليبي أن يطرح أسئلة ترتبط بالمشهد الليبي، وطبعًا لكنها لا تنفصل عن المشهد الإقليمي والدولي، بطرح السؤال التالي الذي نعتقد أنه أساسي وكذلك محوري وهو:
هل تكليف بعثة للدعم الأممي في ليبيا من أجل الحل أم من أجل استمرار الوضع الراهن، ومنذ تأسيس بعثة الأمم كما هو عليه دائمًا وقد كلف مجلس الأمن أكثر من عشرة مبعوثين لحلحلة الشأن الليبي والخروج بليبيا من عنق الزجاجة؟
هل اختلف أداء المبعوثين الأمميين عن بعضهم البعض أم أننا لا نستطيع أن نرى بصمات مختلفة بينهم في بياناتهم وطريقة عملهم وحتى إحاطاتهم أمام مجلس الأمن وكذلك نتائج ملموسة قبل استقالاتهم أو بالأصح إقالتهم؟
من خلال النظر في أسلوب التعامل مع الحالة الليبية من قبل المبعوثين نصل إلى خلاصة أن هناك تشابهًا في البرامج والتفاعل مع الأطراف، بل وحتى في تغييب عمدي لأطراف في الصراع والتركيز على غيرهم وتغييب غيرها!!
ثم هل تعمل البعثة الأممية بمعزل عن التأثير الدولي من الدول التي تريد قطاف الحصاد من وراء ما حدث في ليبيا وما زال يحدث؟
هل يقع مصادفة أن المرتين الحاسمتين في موضوع الانتخابات يتم إقالة رؤساء البعثة واقعيًا وتستلم نائبة وتكون بالصدفة!!!! أمريكية وتبقى فترة تعمل بمفردها!؟
مما سبق ذكره من أسئلة يمكننا أن نستنتج أن ما جرى ويجري وربما سيجري من الحراك السياسي الأممي والمتمثل في البعثة الأممية في ليبيا وكذلك الحراك السياسي الإقليمي والدولي خاصة الدول المؤثرة في المشهد الليبي قد غيبت أي طرف ليبي فاعل، واستحضرت وحرصت على من هم في المشهد فقط فهي تغيب البرلمان حينًا بل تسحب منه الاعتراف والشرعية في مرحلة ما ابتدأت من 2014 إلى 2019 ثم عادت لترجع الشرعية والتعامل مع البرلمان كواجهة شرعية ومن الأساس خلقت له تكوينًا سياسيًا مقابل له في الغرب الليبي وهو مجلس الدولة الذي أخذ الشكل الاستشاري، لكن وجوده الحقيقي أنه برلمان الغرب الليبي في مواجهة برلمان الشرق وإن وجد فيه أعضاء من الغرب.
وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال آخر يفرضه السياق: هل تلعب الأطراف المحلية أدوارًا حقيقية تناسب حجمها الحقيقي على الأرض ومن قناعات وطنية أو مصلحية أم أنها الصورة المنعكسة للاعبين الدوليين الذين يتوزعون بأدوارهم وتواصلهم وتأثيرهم في الأطراف المحلية؟
أعتقد أن البعثة الأممية تعمل وفق إرادة الكبار وليست محايدة أبدًا، وأن البعثة شكلًا وليست موضوعًا تتبع الأمين العام للأمم المتحدة، ولذلك كان الأثر المباشر لمجلس الأمن الذي تمارس من خلاله الدول الغارقة في رمال المشهد الليبي التي يحاول كل طرف دولي أن يجني مكاسب كبيرة، فأمريكا تريد أن تهيمن على ليبيا بدون شريك ودول حلف الناتو كفرنسا وإيطاليا وقبلهما بريطانيا كلهم يريدون حصة في الغنيمة الليبية، ولذلك هم يعملون في فريق متصارع وغير متجانس لا يستطيع أن ينسق حتى تفاعله في الساحة الليبي، وربما هذا يبدو في الصراع الإيطالي الفرنسي الظاهر على سطح المشهد وفي التزاحم التركي البريطاني، رغم أن بريطانيا هي المسؤول المباشر عن المشهد السياسي الليبي وتمسك بملف الميليشيات والمصرف المركزي وحكومة طرابلس، لكنها تعمل تحت أمريكا سيدة اللعبة، لأن لبريطانيا علاقة تاريخية بليبيا، لأنها تدرك أهميتها منذ تواجدها في مصر، فلا أمن لبريطانيا في مصر إلا بالتواجد والتأثير المباشر في ليبيا، لأن برقة خاصرة مؤثرة، وقد تكون رخوة بالنسبة إلى مصر، ولذلك تلاحظون أن الإنجليز يزورون برقة ويتواصلون دائما مع النافذين فيها، أما الأتراك فلهم صلة تاريخية بليبيا كونهم كانوا يهيمنون عليها خمسة قرون متصلة، إلا في فترة القره ماليين وكل تصرفاتهم تشير إلى اعتبارهم ليبيا ولاية تركية، هم يزورون ليبيا ويدخلون عبر المنافذ كما يدخلون تركيا وتزور قياداتهم العسكرية من وزير الدفاع إلى رئيس أو رؤساء أفرع الأسلحة ولا يقابلهم إلا السفير التركي ولا يرفعون إلا العلم التركي، فلذلك يرون أنهم أحق بالتواجد في ليبيا، فهي إرث لهم، رغم أن تركيا قد تركت شعب ليبيا المجرد من السلاح يقاتل الطليان، وحده وقبضت ثمنًا بخسًا بضعة آلاف من الليرات الذهبية، كما تركت تمامًا سوريا للفرنسيين مقابل منحها لواء الإسكندرونة السوري، وتركت الشعب السوري يقود معركته بأجساده بدون سلاح، هي الآن تقتسم سوريا مجددًا مع الإسرائيليين بحجة الصلة التاريخية، وهناك تنظيمات ليبية ذات شعارات دينية ترى حق تركيا التاريخي والديني في إطار الزعامة الدينية، حتى أنها تنظر إلى أردوغان على أنه خليفة أو مشروع خليفة.