غنائم بشر وأقبية مظلمة

بقلم/ عفاف الفرجاني
في أقبية الظلام التي تسيطر عليها الميليشيات في المنطقة الغربية من ليبيا، تتكشف حقائق تفوق حدود الفظاعة، إذ تحوَّلت السجون غير الشرعية إلى مسارح للرذيلة والامتهان. هناك، لا تقتصر الجريمة على القتل والخطف، بل تتجاوزها إلى أفعال شنيعة تمزق النسيج الأخلاقي وتدمر ما تبقى من إنسانية. إن ما يجري خلف القضبان ليس سوى نسخ مشوهة من عصور الانحطاط، حيث يُستباح الجسد وتُهدر الكرامة ويُحوَّل الأسير إلى غنيمة يتلهى بها الجلادون.
الجريمة الأخيرة التي ارتكبها أفراد ميليشيا معمر الضاوي في ورشفانة تشهد على هذا الانحدار المروّع. فقد أقدم هؤلاء على اغتصاب شاب أعزل كان تحت قبضتهم، موثقين فعلتهم بكاميرا الهاتف في مشهد مقزز يكشف خواء ضمائرهم. لم يكتفوا بارتكاب الجريمة، بل تباهوا بها كما يتباهى القتلة بدماء ضحاياهم. ذلك التسجيل المصور لا يترك مجالا للإنكار، بل يمثل دليلا دامغا على أن هذه العصابات فقدت صلتها بالقيم الإنسانية واعتنقت التوحش منهجا.
إن ما يسمى في قاموسهم (تقشير الأبدان) ليس سوى ستار لغريزة حيوانية تستهدف إذلال الضحية وتكريس سطوة المعتقل. وهو فعل يرقى إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ويستوجب عقابا صارما يتجاوز حدود القوانين المحلية إلى محاكمات دولية. السكوت عن مثل هذه الانتهاكات يعني القبول الضمني باستمرارها، ويحوّل المجتمع بأسره إلى رهينة لابتزاز العصابات المسلحة.
إن هذه الوقائع المريعة تفضح زيف الادعاءات التي يروجها بعض الوسطاء الدوليين عن استقرار مزعوم في الغرب الليبي، وتؤكد أن ما يجري هو منظومة إجرامية متكاملة لا تعرف حدودا في القمع والفساد. فأي سلام واستقرار يمكن الحديث عنه، وأجساد الأبرياء تنتهك في السجون، وأرواحهم تُسحق تحت أحذية المخمورين المتعاطين؟
اليوم، لم يعد من مجال للمجاملة. على الشعب المطالبة بالإعدام الفوري لمرتكبي هذه الجرائم، وعلى النائب العام التطبيق، ليست نزوة انتقامية، بل ضرورة قصوى لحماية المجتمع وردع كل من تسوّل له نفسه العبث بالأجساد والأعراض. لقد آن الأوان أن يُرفع الصوت عاليا، وأن تُفتح الملفات في العلن، وأن يُعرّى هؤلاء المجرمون أمام العالم ولو من خارج قضبان الغرب الليبي المخطوف. فالوطن لا يحرر بصمت الخائفين، بل على عدالة تقتص من السفاحين وتعيد للضحايا اعتبارهم.
والأهم أن هذه الجرائم ما كان لها أن تستفحل لولا حكومة العار والتطبيع برئاسة الدبيبة، التي تحولت إلى مظلة للفساد وغطاء سياسي لعصابات الإجرام. هذه الحكومة باعت السيادة، وشرعنت المليشيات، وتواطأت مع الخارج على حساب شرف وكرامة الليبيين، فكانت شريكا أصيلا في كل ما يحدث من اغتصاب وإذلال وخراب.