مقالات الرأي

ثقافة الاحترام في زمن التباين الفكري 

بقلم/ المهدي الفهري

ما نؤمن به من أفكار ليس بالضرورة أن يكون مطابقًا لما يؤمن به الآخرون، أو قادرًا على محاكاة كل جديد ومواكبا لكل المستجدات التي تحصل من حولنا، بل ربما يحمل رؤية مغايرة لما يتبناه هؤلاء من أفكار وتظل الثوابت باقية، والمواقف هي من يصنع الفارق، أما الأفكار فتتناغم حينا وتتعارض أحيانا أخرى، ولكل فريق مشاربه وتجاربه وخلفيته الثقافية التي ساهمت في تكوينه وتشكيل وعيه وذاكرته ووجدانه، ويتم من خلالها معرفة الحقيقة من عدمها والتي يجب أن تنسجم في حدها الأدنى مع التبدلات الاجتماعية وروح التغيير، ولا تتناقض مع نواميس الحياة، وخاصة عندما يكون التغيير للأحسن وفي الاتجاه الصحيح والسليم، ويبقى ما يقوله الآخرون ليس قدرًا محتومًا وإنما مجرد رأي قد يلامس المنطق وقد يخالفه، وربما يحتاج أحيانًا إلى قراءة عكسية، خاصة وأن للعقل عدة مقومات لفهم الرسائل المبهمة التي يلفها الغموض والإبهام، فالحياة لا تعني العيش كما نريد، بل في تكّيف رغباتنا وقدراتنا على الاستغناء عن الكثير من نواقصها عند اللزوم، وأن القدرة على الاحتمال لا تعني القبول بكل الظروف، بل هي تنازل واعٍ دون الرضوخ للواقع أو مصادرة الأحلام، ومهما اشتدت مصاعب الحياة فهي لا تستقيم بدون أحلام ولا تخلو من أحلام الكثيرين وتطلعاتهم مهما بدأت مستحيلة أو بعيدة المنال، ومن هنا تتضح أهمية الرؤية والتفكير العقلاني لفهم الحياة والدعوة إلى عقلنة جديدة بين الأحلام والواقع كمعادلة إنسانية دائمة باعتبار العقل والأحلام هما ركيزتا المعنى الإنساني المتأصل في القِدم والعراقة التي لا تسمح لنا بالسخرية من أحلام الآخرين مهما كانت بسيطة، ولا أن نتخلى عن أحلامنا مهما كانت صعبة في عالم يسوده الإنكار ولا يشجع على قول الحقيقة، وربما أصبح قولها فعلًا جريئا لا يجرؤ عليه إلا من يمتلك الإرادة وقوة الفكرة.

ليس من الضروري أن نتفق دائمًا حول كل طرح أو قضية، ولكن من الضرورة أن نتمسك بثقافة الاحترام التي تفتح المجال للحوار حتى مع الاختلاف كقيمة متجذرة في رغبة العيش المشترك والإنصات للرأي الآخر، وهذا ما يضعنا أمام الحوار الهادف والنقاش المثمر، ويمنحنا الفرصة للمناورة من جديد باستخدام وسائل حضارية تنسجم مع مبادئنا وقيمنا، وتنتهج سلوكًا قائما على الموضوعية وبعيدا عن سلوك اللامبالاة ومختلفًا عن أسلوب المقاربات الجدلية. 

وحتى لا يحدث لدينا شلل في التفكير وخلل في الاستيعاب علينا أن نكون واقعيين لكي نستطيع الوصول إلى المعنى العميق للحياة والتعرف عن قرب على كل محطة من محطاتها المختلفة والتأمل في أسرارها ما استطعنا بوعي متجذر ومتجدد، ومع اعترافنا بأن معرفتنا واجتهاداتنا ستظل نسبية ومحدودة فإن الاجتهاد في الفهم وتعدد الرؤى أفضل بكثير من التشبث بالرأي والإصرار على الخطأ وأن السعادة الحقيقية تكمن في صنع الحياة وليس في استهلاكها ولا تتحقق في غياب المعضلات بل في قدرتنا على التغلب عليها، وكلما تقاسمنا نفس الأفكار ونفس الأهداف كان العمل أكثر نضجًا ونجاحًا، وانقادت إلينا الآمال.. فالحياة لا تمنحنا مطلق الحرية، ولكنها تمنحنا عقولا وأدمغة إذا أحسنا استثمارها واستغلالها ستنقلنا من خيال العصا السحرية إلى قوة العقل البشري وتساعدنا في كشف الحد الأدنى من خفايا الكون وأسراره وتصل بنا الى ترسيخ الثقافة التي نسعى لها وننشدها وينشدها الجميع ثقافة الاحترام في زمن الاختلاف.

زر الذهاب إلى الأعلى