الفيروس الليبي المعدي بين وهم العلاج وحقيقة المرض

بقلم/ عبد الله ميلاد المقري
أُصيب الجسد الليبي منذ فبراير 2011 بفيروس حاد وخاص لا يشبه فيروسات العالم الأخرى. فهو لا يُعدي الشعوب المجاورة، ولا ينتقل بالهجرة أو المنافي، بل يظل حبيسًا في الجسد الليبي السياسي وحده.
وبرغم المحاولات الذاتية التي تقترب من طرد هذا الفيروس من الجسد الليبي فإن الوضع أسوأ مما يتصور فيصبح في حكم المستحيل لكونه يحمل مناعة عمل عليها من الخارج من قبل خطط نتيجة دراسات وأبحاث استوعبت نوع الحالة الكارثية التي يتكون منها هذا الجسد، حتى السوريون الذين عادوا من رحلة التيه الطويلة من ليبيا، رغم معاناتهم على المنافذ، رجعوا محصنين من هذا الفيروس، وكأن العدوى محصورة في أرض ليبيا فقط. ويتمدد في الجسد دون أن تنجح الأمصال في كبح جماحه أو توقف نشاطه المستمر، هذا الفيروس الغريب لم يُخترع له لقاح بعد، برغم كل محاولات التداوي: من أوراق الشيح والقهوة، إلى دكاكين الحجامة المنتشرة في كل مكان. وحتى ترهات المنجمين ومنهم ليلى عبد اللطيف ووصفات دراويش الخليج ببول الإبل لم تفلح في وقف نزيف الوطن.
إنه فيروس يقتات على ترهل الجسد الليبي، يعيش على خلاياه الميتة، ويمنع عنها التجدد الطبيعي الذي تنعم به أجساد الشعوب الأخرى. ولم تكن جلسات الصخيرات سوى محاولة بائسة لتشخيص المرض دون أن تصل إلى مركز الفيروس.
أما تطبيقات الأمم المتحدة، فقد بدت كمسكنات عاجزة عن تخفيف الألم. ووخز أبوزنيقة، رغم الضجيج، لم يُحدث أثرًا في إضعاف هذا المرض، بينما تحولت جنيف وبرلين إلى أوهام علاجية أرهقت الجسد أكثر مما ساعدته.
الأدهى أن آلاف الأجساد الليبية التي طُرحت على جلسات “الليزر السياسي” في مصحات حنبعل بتونس، خرجت أكثر إنهاكًا، بعدما زاد الفيروس الورمي استقرارًا وتجذرًا، رافضًا مغادرة الجسد الوطني. كل جولة حوار جديدة كانت أشبه بحقنة تخدير، لا تقتل الفيروس، بل تمنحه وقتًا إضافيًا للتكاثر. ويكسب جولة جديدة من المناعة رغم أن الكي بالنار أصوب للعلاج النهائي لاجتثاث هذا الفيروس اللعين الذي تطيب بجريمة بفبراير وطعم بمؤامرة الربيع العربي حيث يتسرطن بما يعطى من تقوية خارجية تجعل منه حالة مرضية فاقدة للشفاء والنجاعة.
الصورة قاتمة بالفعل. فالطيّبون في ليبيا يقفون عاجزين أمام هذا الوباء السياسي، لا يملكون لقاحًا يوقف نزيف الزمن الضائع. وبينما يقترب الجسد الوطني من الموت البطيء، يظل السؤال قائمًا: هل سيبقى هذا الفيروس مقيمًا فينا إلى الأبد، أم أن يومًا ما سيولد جسد ليبي جديد قادر على مقاومته، واستعادة عافيته، لينعم بحقوق الحياة الطبيعية مثل باقي الشعوب.