الألسنية العامة بين الفلسفة والمنطق المداخلة الأولى: في اللاهوت 7

بقلم/ مهدي امبيرش
في أكثر من مناسبة أكدنا على أن المشكلة التي ترتبط بالمعرفة، بدأت مند آدم عليه السلام وزوجه، وتتمثل هذه المشكلة في أن الإنسان المحدود بعد أن وصل إلى مرحلة من الوعي بنفسه، وأدرك أنه محدود، وأن بقاءه في الجنة التي هي على الأرض بمثابة مرحلة إعداد للنهوض، حسب مشيئة الله، بدوره وهو الاستخلاف، أي أنه لا يمكن أن يكون مطلقًا في المكان والزمان، بل يتم ذلك من خلال أولاده.
هنا وسوس له إبليس فأقنعه أن بإمكانه أن يكون خالدًا أو ملاكًا إذا عصى ربه، واقترب من الشجرة المحرمة، وأكل من ثمارها. لقد تمثلت هذه المشكلة وما ولدته من إشكالات، إلى أن ينفضح آدم وزوجه بالتعري والهبوط. هنا تبدأ مشكلة اللاهوت، بتصور أن الكون ثنائية السماء والأرض، وأن الإله أو الآلهة يقومون في السماء، وتكون السماء كما ذكرنا سابقًا هي المقدس، والساكن والمجرد من الحركة والفعل بخلاف الأرض التي هي المادة والحركة والتغير، وسوف نقرأ هذا الوهم من خلال دراستنا للعدمية الصوفية، كما في الشامانية الهندية، والتي أثرت كثيرًا في تفكير سقراط وأفلاطون، مثلما كان هذا التصور قد أدى إلى ما سمي بعالم الأرض.
لقد ولدت هذه المشكلة الحاجة إلى الوسيط الذي يربط بين السماء والأرض، وله القدرة أن يحول لغة الإله المجردة إلى لغة البشر الحية. في الأسطورة اليونانية، والتي عرضها الشاعر هوميروس، حيث جعل كما يبدو للكثيرين أن آلهة السماء أو آلهة الأولومب، فتصرفوا كالبشر، بل تقوم بأفعال محرمة كالخطف والتدمير، إلا أن هذا الفهم يعد قاصرًا، فالبشر المتميزون يتمو تأليههم، ويقدمون على أنهم بمثابة أنصاف الآلهة كما قرأنا عن البطل الفينيقي السومري قلقامش، وهذا التأليه يبقى قائمًا إلى اليوم.
إن فصل السماء عن الأرض أو هذه الثنائية والتفكير في الوسيط، أي الثالوث سوف نقرأ تمظهراتها المثيرة خاصة في الدراسات اللسانية وتمظهراتها اللغوية، على سبيل المثال هذا التفريق بين الاسم، الذي ستجده في مدارس المتكلمين منذ الإغريق ليكون الاسم مقدسًا ومجردًا ولا دليل عليه إلا الفعل الذي يجب أن يكون متغيرًا ومتحركًا. وهذا ما أشرنا إليه في دراساتنا السابقة في عبقرية اللسان العربي الذي ذكرنا فيه أن الدراسة الألسونية ترتبط بمنهج التفكير، وأنه على الرغم من أن خلايا الدماغ في الإنسان تكاد تكون واحدة، إلا أن اختلافًا في منهج التفكير سيقود بداهة إلى اختلاف في الألسن واللغات.
نعود إلى تصور هذه المشكلة التي هي مشكلة معرفية في الأساس منذ بداية الإنسان، حيث أدى هذا في الأسطورة الإغريقية إلى اختراع هرمس، الشخصية نصف الإله، والتي يمكنها أن تقوم بدور التأويل، أي معرفة قصد الإله، الأول التي ستبرز عندنا إلى اليوم فيما يسمى بأسلوب تأويل النص، وإن كان الإغريقيون قد أخذوا هذا الحل كما ذكرنا في المداخلة الماضية عن المصريين، وعن دور تحوت المصري وزير الفرعون الإله المصري وهذا ما سنجري عليه دراسة مقارنة بين الميثولوجيا المصرية واليونانية.