الطوارئ الصحية في الصراعات المسلحة والحروب

بقلم/ د. علي المبروك أبوقرين
القطاع الصحي لا يملك سلطة إيقاف النزاعات المسلحة والحروب، بل هو المتضرر الأكبر منها، مع أنه يحذّر دومًا من آثارها على حياة وصحة الناس الجسدية والنفسية والعقلية. ومع ذلك، يبقى على الصحة الدور الأساسي في إنقاذ الأرواح، وعلاج المصابين، وتضميد الجراح، والاستمرار – بصورة مضاعفة – في تقديم خدمات الإسعاف والطوارئ للحوادث المدنية المختلفة التي تزداد في الحروب، إضافة إلى تأمين علاج المرضى الذين يعانون من الأمراض المزمنة والأورام والأمراض المستعصية المتعددة والمعقدة، وتوفير الخدمات الوقائية والتطعيمات، خصوصًا مع تزايد التهديدات الصحية الوبائية وانتشار الأمراض المعدية في فترات الحروب والصراعات المسلحة.
ويتعرض العالم اليوم لموجات غير مسبوقة من الأوبئة، ونظرًا لاستمرار النزاعات لأكثر من خمسة عشر عامًا متواصلة – سواء بين المدن وبعضها، أو بين التشكيلات المسلحة داخل المدن والقرى والمناطق السكنية المزدحمة بالمدنيين الأبرياء – فقد شهدت الخدمات الصحية تراجعًا خطيرًا نتيجة انهيار النظام الصحي. وقد أدى ذلك إلى تدني مستوى الخدمات بجميع مكونات النظام الصحي: الوقائية، والرعاية الصحية الأولية، والخدمات الاستشفائية العلاجية بمستوياتها الثلاثية، والتأهيلية. كما أصبحت نسبة كبيرة من المستوصفات والمراكز الصحية والمستشفيات الحكومية شبه معطلة بالكامل بسبب الظروف والعوامل المعروفة، مثل تعطل المعدات والأجهزة الطبية والكهروميكانيكية، والنقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، فضلًا عن هجرة معظم الكفاءات المؤهلة نحو القطاع الخاص أو إلى خارج البلاد.
ولهذا أصبحت النزاعات المسلحة والحروب تشكل تهديدًا خطيرًا، لا سيما تلك التي تدور داخل المدن المكتظة بالسكان المدنيين. وللحفاظ على صحة وحياة الناس يجب اتخاذ إجراءات تنفيذية عاجلة لتأمين الخدمات الصحية الاعتيادية – الوقائية والعلاجية – وضمان عمل المرافق الصحية بجميع تصنيفاتها وتخصصاتها. كما ينبغي وضع خطط استراتيجية متكاملة لمنظومة القطاع الصحي، مع التركيز على تشغيل المرافق وتفعيل خدمات الطوارئ فيها، والتوسع في خدمات الإسعاف والإنقاذ والإخلاء والطب الميداني، وتوفير منظومات متكاملة لطب الطوارئ والإسعاف والإخلاء الطبي سواء من أماكن الصراع أو بين المستشفيات، إضافة إلى تعزيز خدمات الطب الميداني الثابت والمتحرك، وخدمات نقل الدم والتشخيص المخبري والشعاعي، وضمان وجود مخزون استراتيجي للإمداد الطبي، وتأمين سلاسل الإمداد من المخازن إلى المريض.
كما تبرز ضرورة تأمين جميع المرافق الصحية، وأجهزة الإسعاف، والهلال الأحمر، وفرق الإنقاذ والدفاع المدني، وحماية الكوادر الصحية في أماكن عملهم وتنقلاتهم وحتى في منازلهم مع أسرهم، من خلال تخصيص مسارات محمية وآمنة تضمن حركة الإسعاف والإخلاء الطبي والإمداد والتموين الطبي وإدارة الطوارئ. ومن المهم أيضًا إنشاء غرف طوارئ صحية بكل حي، على أن ترتبط بالمنظومة الصحية داخله، وبين الأحياء الأخرى، ومع وزارة الصحة والغرفة المركزية المشتركة مع بقية القطاعات ذات الصلة.
ويجب أن تتوفر وسائل تواصل ميسّرة للمواطنين والمقيمين، مع حملات توعية مستمرة على مدار الساعة عبر مختلف الوسائط الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام صفارات الإنذار ومكبرات الصوت. كما ينبغي تأمين الطرق المؤدية إلى المرافق الصحية وخطوط الإخلاء الطبي والإنساني، وضمان استعداد النظام الصحي الدائم، بما يمكّنه من سرعة الاستجابة والمرونة الكافية للتعامل مع مختلف الأزمات والكوارث الصحية.
ولتقليل الأضرار الصحية على جميع القطاعات، لا بد من تكثيف جهود التوعية المجتمعية، وتعزيز الاحتياطات الاحترازية التي يجب أن يلتزم بها الفرد والأسرة والمجتمع، إضافة إلى توفير المخزون الاستراتيجي من الغذاء والماء والدواء، والإسكان الآمن واللائق للنازحين من مناطق الصراع، إلى جانب توفير الخدمات الاجتماعية والدعم النفسي للأسر المتضررة. كما يجب اتخاذ إجراءات رادعة ضد كل من يتسبب في إلحاق الضرر بالمرافق الصحية، أو جهاز الإسعاف، أو القوى العاملة الصحية والجهات المساندة لها، وضد كل من يستغل الأحداث لجني الأرباح على حساب الأرواح.
وفي المستقبل، يصبح من الضروري العمل على إنشاء ملاجئ محمية مزودة بمرافقها الصحية.
نسأل الله أن يحقن دماء أبناء الوطن، ويجمع شمل الأمة، وتسود الحكمة، وتستقر البلاد، وتزدهر حياة العباد، وتتحقق التنمية، وتتقدم بلادنا علميًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
(حفظ الله بلادنا الغالية)