المرأة الليبية في معركة التحرر

بقلم/ عفاف الفرجاني
حين صدر القانون رقم 10 لسنة 1984 في ليبيا، والمعروف بقانون “الأحكام الخاصة بالزواج والطلاق وآثارهما”، في 19 رجب 1393هـ، الموافق 19 أبريل 1984م. في عهد الجماهيرية، كان علامة فارقة في تاريخ التشريع العربي. لقد منح المرأة الليبية مكانة استثنائية، ونظم شؤونها الأسرية والاجتماعية بروحٍ تحررية غير مسبوقة، لتصبح شريكًا في البناء ومساهمًا فعليًا في صناعة القرار. كان ذلك جزءًا من مشروع الجماهيرية الذي كسر القيود التقليدية، وفتح للمرأة أبواب العمل والتعليم والمشاركة العامة.
لكن ما نشهده اليوم هو محاولات متعمدة لطمس هذا الإرث. فـالإخوان وأذنابهم ومن يعمل لمصلحتهم في الغرب الليبي جعلوها سلعة تلعن لكي يوجب استثناءها، المتصدرون للمشهد السياسي الراهن، لا يرون في المرأة إلا تهديدًا لمصالحهم الضيقة. يعملون ليل نهار على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ويزرعون قيودًا جديدة تعيد المرأة إلى الهامش، بعد أن كانت صاحبة دور فاعل. إنهم لا يريدون قانونًا يُنصف المرأة، بل يريدون نصوصا شكلية تستخدم ورقة للتسويق أمام الخارج بينما تدفن الحقيقة في الداخل.
لقد رفع هؤلاء شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنهم في الواقع مارسوا أبشع صور الإقصاء، وحوّلوا المرأة إلى أداة دعائية بدل أن تكون شريكة في القرار. إنّ مشروعهم يقوم على إلغاء كل مكتسبات الماضي، وعلى رأسها ما تحقق في عهد القذافي من إنصافٍ للمرأة وإشراكها في ميادين العمل والسياسة. وهم يعلمون أن تمكين المرأة يعني كشف فسادهم وتعريتهم أمام الناس، لذلك يقاتلون بشراسة لإسكات صوتها. ويختصرونها في قطعة قماش تجب فكرها، وصوت خافت يسكت إرادتها.
قانون 10 لم يكن مجرد مادة قانونية، بل كان إعلانا لتحرر اجتماعي أراد أن يجعل المرأة قاعدة للبناء لا زينة للعرض. أما اليوم، فالإخوان وأتباعهم يحاولون تشويه هذا القانون وتفريغه من مضمونه، ليحرموا الليبيات من حقوقهن التي دفعن ثمنها نضالًا وصبرًا.
ولذلك فإن معركة المرأة الليبية اليوم ليست معركة جزئية، بل هي معركة ضد مشروع الإخوان الظلامي الذي يسعى إلى إرجاع المجتمع إلى الوراء، وإطفاء كل جذوة للتحرر والنهضة. لقد آن الأوان أن تتحول بنود هذا القانون إلى سلاح نضال بيد النساء، لإفشال كل محاولة لتكميم أفواههن وإقصائهن من المشهد الوطني. فلا وطن ينهض بنصفه فقط، ولا مستقبل يُبنى على تهميش المرأة لصالح فكر رجعي بائس.
في تقديري يجب أن تكون هناك حملات مدفوعة بالإرادة والوعي، تدعو كل النساء إلى عدم الالتفات إلى الحروب التي تشن عليهن من قبل القوى الظلامية، وتركيز على الأهداف الموضوعية وتأكيد على ضرورة توحيد الجهود لمواجهة الظواهر التي تجعل المرأة عبدة في المجتمع، واستعادة مكانتها الطبيعية كشريكٍ فاعل في بناء الوطن وقراره.
فالتاريخ لن يغفر لمن استسلمن لإرادة أفكار ذكور تورا بورا، ولا لفئران كهوف درنة ورضين بأن يكنَّ أدوات طيعة لمخططات بائسة. فالمرأة الحقيقية لا تساوم على كرامتها ولا تسمح للظلاميين باستعبادها. حان الوقت لكل الليبيات أن يرفعن رؤوسهن ويخرجن من دائرة الخضوع ويقدن معركة التحرر بلا تراجع.