ليبيا بين عجزنا القاتل وعجز المجتمع الدولي

بقلم/ ناصر سعيد
تبدد التفاؤل مع تكرار الإخفاقات بعد أن كان ينظر إلى الأمم المتحدة كحكم محايد ووسيط فعال، وأصبحت في نظر كثيرين مجرد منصة لإلقاء الإحاطات الدورية التي لا تؤدي إلى أي تقدم ملموس.
مرة أخرى، يتجدد المشهد في مجلس الأمن، إحاطة جديدة لمبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، وخطاب يحمل نفس العبارات المعهودة “الدعوة إلى الحوار، وحث الأطراف على ضبط النفس، والتأكيد على ضرورة إجراء الانتخابات”، مشهد متكرر يُشعر المرء بإحساسين متلازمين: إحباط عميق من أداء المجتمع الدولي، وغضب عارم من العجز القاتل الذي أصابنا كشعب ونخب وقوى وطنية، جعلنا في أفضل الأحوال متفرجين ننتظر من ينتشلنا.
لا يمكن إنكار أن الدور الدولي، ممثلًا في بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، قد أخفق إلى حد كبير في إدارة الملف الليبي. لقد تحولت “الحلول” المطروحة إلى “إحاطات محنطة” تكرر نفسها دون أي أثر فعلي على الأرض، لقد أصبح الشك متواصلًا في نوايا ومقدرة المتداخلين في إدارة الأزمة، فهل الخلافات الدولية بين أعضاء مجلس الأمن نفسه هي من تعطل الحل، أم أن هناك حسابات أخرى تطيل أمد الأزمة لخدمة مصالح لا تلتقي مع مصالح الشعب الليبي؟ هذا العجز الدولي لم يعد مقبولًا، وهو جزء من المشكلة وليس جزءًا من حلها.
واللافت للانتباه هو كيف حولنا هذا الواقع المؤسف إلى “متفرجين فاشلين وكسالى” ننتظر الخلاص من الخارج.. نعم أسباب الأزمة معقدة ومتعددة، ولا يمكن إنكار تدخلات بعض الأطراف الإقليمية والدولية، لكن هذا لا يعفي نخبنا وقوانا الوطنية من مسؤوليتها التاريخية.
لقد وصل بنا الحال إلى حالة من “العجز القاتل”، حيث توقفنا عن إنتاج الحلول والأفكار والخطط الخاصة بنا، واكتفينا بدور المطالب والمتفرج، لم نعد نسأل أنفسنا أين مشروعنا الوطني؟ أين مبادرة الحوار الليبي الليبي؟ أين قدرة قوانا الوطنية على الضغط وتشكيل إرادة جماعية؟ انتظار الحلول من أروقة الأمم المتحدة هو استسلام لإرادتنا وتفويض لمستقبلنا.
وعليه لا يجب أن يكون المخرج من الأزمة مرهونًا بإرادة خارجية أثبتت عجزها وازدواجيتها، المخرج الحقيقي يبدأ برفضنا لموقف “المتفرجين”، يجب أن نتحول من حالة الانتظار إلى حالة الفعل، ومن ثقافة الشكوى إلى ثقافة المبادرة.
علينا أن نعيد بناء ثقتنا بقدرتنا على صنع مصيرنا، وأن نكون نحن أصحاب المبادرة والرؤية، وأن نفرض أجندتنا على العالم، لا أن نكون رديفًا لأجندات الآخرين، بلادنا تستحق أكثر من أن تكون ساحة لصراعات الآخرين أو موضوعًا لإحاطات مجمدة. ليبيا لأبنائها، وهم وحدهم من سيبنونها، إذا ما رفضوا العجز واختاروا الفعل.
“فالمجتمع الدولي لن يستطيع أن يحل أزمة لا يريد أهلها حلها بأنفسهم”.