سقوط ذريعة الانتخابات

بقلم/ عبدالسلام محمد إسماعيل
أجريت انتخابات عامة في أماكن متعددة من ليبيا هذا الشهر لاختيار أعضاء وعمداء للمجالس البلدية، وفق ما كان مقررًا مسبقًا من المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا.
انتخابات مماثلة كانت قد أجريت سنة 2024 في مناطق أخرى من ليبيا، في كلتا الحالتين صرحت المفوضية وكذلك المراقبون المستقلون أن الانتخابات أجريت وفق القواعد المتبعة ولم تسجل أي خروقات تذكر في الأماكن التي أجريت فيها الانتخابات، وعلى الرغم من إغلاق مراكز انتخابات أخرى فإن المفوضية عادت في وقت لاحق من هذا الشهر وأجريت الانتخابات وفق ما هو مقرر.
لطالما استخدمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبارة (تهيئة الظروف المناسبة لإجراء انتخابات عامة في ليبيا) كمبرر لمراحل انتقالية لها أولًا وليس لها آخرًا، تدار هذه المراحل بواسطة حكومات غير منتخبة، واستمرت لما يجاوز العشر سنوات، وترتب عليها حرمان الشعب الليبي من حقه في اختيار حكومته وإرساء قواعد نظامه السياسي الذي يختاره.
الانتخابات التي أجريت هذا الشهر في مناطق متعددة في ليبيا وتلك التي سبقتها، أسقطت ذريعة تهيئة (الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات) من يد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وكشفت حقيقة دورها غير الداعم للشعب الليبي، واتضح أنها لا تريد المساعدة في إجراء انتخابات بقدر رغبتها في الاستمرار كوصي على الشعب الليبي إلى ما لا نهاية عبر حكومة تختارها بطريقة مباشرة أو عبر وكلاء سبق وأن اختارتهم وفق أهواء القائمين على البعثة.
طالما أجريت انتخابات وإن كانت بلدية فإن حقيقة إجراء انتخابات وطنية عامة تصبح حقيقة ممكنة، لا يمكن دحضها بمزاعم تتعلق بعدم وجود دستور أو غيرها من الذرائع الأخرى. كما أن الشعب الليبي تأكد بالتجربة أن الحكومات الانتقالية المتتالية لا يمكن أن تحيلنا إلى مرحلة دائمة، وأن عهد أي حكومة انتقالية لم ينتج دستورًا أبدًا، بل أنتج فقط حكومة انتقالية جديدة، ليس بسبب إدراك وتطبيق فكرة الانتقال السلمي للسلطة، بل بسبب الرفض الشعبي للحالة الانتقالية المملة والطويلة.
لا شك مطلقًا أنه والحالة هذه يمكن إجراء انتخابات وطنية تفضي إلى حكومة وطنية تقدم مشروعًا وطنيًا دائمًا وشاملًا يكون من بين مشتملاته دستور جديد للبلاد، فيما تأكد للشعب الليبي أن أي حكومة انتقالية عاجزة عن إنجاز أي استحقاق وطني يذكر.
طالما هناك مفوضية وطنية ومستقبل فإنه يمكن إجراء انتخابات عامة في البلاد استنادًا إلى المبادئ الدستورية الراسخة، وبذلك يمكن إسقاط ذرائع البعثة الأممية في ليبيا وإسقاط وصفتها الانتقالية المميتة للحالة الليبية.