دعوة المرجفين للتخلي عن السلاح تعني المذابح والاجتياح

بقلم/ محمد جبريل العرفي
تتعرّض المقاومة في لبنان وغزة واليمن لحملة يقودها الصهاينة العرب، دعاة (التتبيع)، والمرجفون دعاة الاستسلام، لإلقاء السلاح مقابل وعود وهمية بالسلام والازدهار. غير أنّ التاريخ يخبرنا أنّ التخلي عن السلاح لا يعني السلام، بل يفتح الطريق لتصفية الوجود. فالسلاح ركيزة أساسية للحفاظ على الوجود وصون الكرامة. وسنتناول خمس تجارب مريرة عاشها العرب والمسلمون خلال العقود العشرة الماضية.
الأولى: مذبحة صبرا وشاتيلا (غاب السلاح فحضرت المجزرة)
أقنع فيليب حبيب ياسر عرفات بسحب سلاح المخيمات، مع وعدٍ بحمايتها من قِبل 8000 جندي أمريكي، و8000 فرنسي، و4000 إيطالي. وبمجرد انسحاب المقاومة، دخل شارون والميليشيات العميلة للكيان ـ الكتائب بقيادة إيلي حبيقة، وجيش لبنان الجنوبي بقيادة سعد حداد ـ فاستباحوا المخيمَين لثلاثة أيام ابتداءً من 16/9/1982. زادها شارون بإغلاق المخيمات وإضاءتها بالقنابل المضيئة لتسهيل مهمة الذبح، فاقترفوا واحدة من أبشع مجازر القرن العشرين، راح ضحيتها أكثر من 3500 مدني أعزل، معظمهم من الفلسطينيين والشيعة اللبنانيين.
الثانية: مذبحة سربرنيتشا (الأمم المتحدة ترعى المذبحة)
أعلنت الأمم المتحدة “سربرنيتشا” منطقة آمنة للمدنيين المسلمين، ووعدت بحمايتها بقوة هولندية بالقبعات الزرق. فتم تجريد مسلمي البوسنة من أسلحتهم، وفي شهر 7/1995 اجتاح الصرب بقيادة (ملاديتش) المنطقة، فيما انسحبت القوات الأممية الهولندية. ارتكبت القوات الصربية إبادة جماعية قُتل فيها أكثر من 8300 رجل وصبي بوسني مسلم. لقد كانت هذه الجريمة أكبر عملية قتل جماعي في أوروبا منذ الحرب الأوروبية الثانية. وتُظهر سربرنيتشا أن تجريد شعبٍ من سلاحه والتعويل على حماية دولية، يقود إلى الكارثة.
الثالثة: منظمة التحرير الفلسطينية (اتفاق أوسلو: سلام مقابل سراب)
تأسست المنظمة في 1/1/1965 وخاضت سنين من الكفاح ضد الكيان، ما أكسبها اعترافًا دوليًا كممثل للشعب الفلسطيني. لكن منذ عام 1974 بدأت في تبني خيارات سياسية انتهت بتوقيع اتفاقيات أوسلو 1993، حيث أُلزِم الفلسطينيون بالتخلي عن العمل المسلح والاعتراف بالكيان، مقابل وعود بدولة فلسطينية مستقلة، وحلّ عادل للقضية.
بعد 32 عامًا من أوسلو، تآكلت الحقوق الفلسطينية الأساسية: فحق العودة تلاشى، والقدس هُوِّدت، واللاجئون ظلوا في الشتات، وغزة بقيت محاصَرة. كما ارتفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية من 100 ألف عام 1993 إلى نحو مليون مستوطن اليوم، جرى تسليحهم ليشكّلوا ميليشيات تمارس التنكيل بالفلسطينيين، بدعم من سلطة أوسلو التي تحولت من قوة للتحرير إلى أداة لقمع الفلسطينيين.
الرابعة: سوريا (التحالف مع العدو التاريخي، يؤدي إلى استباحة الوطن وتفتيته)
أعلنت “الصهيونية الإسلامية” بقيادة الجولاني أنّ الكيان لم يعد عدوًا. ومع ذلك، قام العدو بتدمير القدرات العسكرية لسوريا: دفاعاتها الجوية، طائراتها، صواريخها، أساطيلها البحرية ومستودعاتها. ثم سيطر على أجوائها واحتل جنوبها، منتهكًا اتفاق فكّ الاشتباك الموقع عام 1974، ومتجاوزًا “المنطقة المنزوعة السلاح”، متقدّمًا إلى مواقع استراتيجية تشمل جبل الشيخ، مع اقتحامات برّية متكررة لمحافظات درعا والقنيطرة ودمشق، وصلت إلى قصف القصر الرئاسي ووزارة الدفاع، وفُرضت شروط مذلة على سوريا.
الخامسة: ليبيا (تفكك الجيش، فجئناكم بالذبح)
بعد تفكيك القوات المسلحة، عاثت الميليشيات التكفيرية في البلاد ذبحًا وتقتيلًا وتشريدًا، حتى استنجد الشعب باللواء خليفة ليقود عملية تطهير. فخاضت القوات المسلحة خمس سنوات من الحرب انتهت بتطهير ثلاثة أرباع ليبيا من الإرهاب والجريمة المنظمة، وتسعى اليوم لتطهير ما تبقّى من الوطن وحماية كامل التراب الليبي من الأطماع الخارجية. هذا الهدف يتطلب امتلاك تقنيات حديثة وبناء القدرة على استخدامها بفاعلية. إن القوة العسكرية الحقيقية اليوم مزيج من أفراد مدرَّبين تدريبًا عاليًا، ومن علوم يمكن توظيفها في مجالي السلم والحرب. الدرس المستفاد أن القوات المسلحة ذات العقيدة الوطنية هي أداة الأمن والحرية.
أما إذا جرى ـ لا قدّر الله ـ إجهاض مشروع بناء قوات مسلحة وطنية، أو إخضاعها لتيارات سياسية مدنية، أو شيطنة قيادتها بتضخيم سلوكيات فيران السفينة، فإن ليبيا ستعود أسوأ من حال 2012 حيث الفوضى والتوحش، لتشكّل خطرًا على مواطنيها وجوارها وإقليمها والعالم.
الرسالة المستخلصة
من يتخلَّ عن سلاحه لا يتحوّل إلى شريك في السلام، بل إلى ضحية سهلة للغزو والذبح. من يملك السلاح يفاوض من موقع قوة، ومن يتخلَّ عنه يفاوض من موقع المستجدي الذي لا يُحترم. فالحق يُنتزع ولا يوهب، فما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة. اليمن وإيران مثالان على بناء قوة فرضت احترامها على أعتى الأعداء.
يحاول المرجفون إقناعنا بأن المقاومة عبث، وتجلب الدمار، بينما الحروب تُقاس ببلوغ أهدافها لا بعدد ضحاياها. فقد خسرت روسيا ثلاثين مليون مواطن ثم انتصرت، وقدم الجزائريون 9 ملايين شهيد ثم تحرروا، وقدّم الفيتناميون ستة ملايين ضحية ثم انتصروا. والعدو منذ 1948 إلى اليوم، لم يتوقف عن نهج الإبادة والتهجير والتوسع، لذلك فالسلاح ليس ترفًا ولا عبئًا، بل قدرٌ لا بديل عنه. والمقاومة المسلحة هي التي تحفظ الكرامة وتفتح الطريق إلى حلول سياسية من موقع الندية.
إن من يدعو اليوم إلى ترك السلاح بدعوى الواقعية أو تجنب التضحيات وانتقام العدو، إنما يعيد إنتاج الوصفة نفسها التي قادت إلى آلاف القبور وملايين النازحين والمهجرين وتوسع العدو. دروس الماضي تفرض على الحاضر حقيقة: من أراد العيش بكرامة، فليتمسك بسلاحه، لأن التاريخ لا يرحم السذج الذين صدّقوا وعود أعدائهم.