الشباب الليبي بين التغييب والأمل في اليوم الدولي للشباب

بقلم/ عبد الله ميلاد المقري
يصادف هذا الأسبوع اليوم الدولي للشباب، في وقت يغيب فيه الدور الحقيقي للشباب الليبي في إنقاذ بلادهم من الفوضى التي تحولت إلى حالة كارثية دائمة، كرّستها السلطة المنقسمة وصارت عبئًا يوميًا على حياة المواطنين. المواطن الليبي اليوم يواجه معاناة معيشية خانقة؛ من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأدوية والسكن، إلى الانهيار المستمر في قيمة الدينار الذي جعل العلاج في تونس حلمًا بعيد المنال، في مقابل استغلال فجّ من “دكاكين” العيادات الخاصة داخل البلاد التي تفوق أسعارها تكاليف العلاج في الخارج. أما المشهد السياسي الداخلي فيعكس حالة تيه في المجهول، رغم ما يشهده من صراع حول الانتخابات البلدية، والتي قد تكون – إن قبلها الليبيون – بداية طريق نحو الخلاص من “المعضلة الليبية”. لكن الأمم المتحدة التي تدخلت تحت مظلة “المجتمع الدولي” عالجت الأزمة بالمقلوب، فجعلت من قرارات مجلس الأمن – الخاضع لهيمنة القوى الكبرى – وصفة زادت من تعقيد الأزمة وأطالت أمد سنوات العجاف.
ليبيا التي كانت يومًا دولة حرة مستقلة وفاعلة في المنظمات الدولية، خاصة في الجانب الإنساني، تحولت اليوم إلى ساحة لمؤامرة دولية مزّقت مؤسساتها، وهجّرت أبناءها، وأفرغتها من قياداتها الاقتصادية والاجتماعية والعلمية وحتى السياسية. تلك المؤامرة لم تكتفِ بإقصاء الكفاءات، بل استهدفت القيادات العسكرية والأمنية بعمليات اغتيال ممنهج نفذتها جماعات متطرفة تتغذى من فتاوى شيوخ الضلالة، بدعم خارجي يتضح اليوم عبر وثائق ومذكرات تكشف الأيادي البريطانية والصهيونية التي غذّت هذا الفكر بالمال والدعم اللوجستي. وكما هي العادة، لا يستيقظ العرب على حجم الخطر إلا عندما تداهمهم المصائب في عقر دارهم.
ليبيا تكبدت خلال العقد الأخير خسائر تجاوزت مئات المليارات، وتوقفت عجلة التنمية والإنتاج في واحدة من أسوأ الكوارث التي عرفها العصر الحديث. وفي خضم هذا الواقع، يعيش الشباب الليبي حالة ضياع غير مسبوقة. الجامعات التي يُفترض أن تكون منارات للتنوير والقيادة الطلابية تحولت إلى مؤسسات مشلولة عاجزة عن تأطير جيل قادر على انتشال وطنه من التدهور. والمقارنة مؤلمة بين شباب الأمس الذين صنعوا دولة الاستقلال بالكفاح والجهاد، وأحفادهم اليوم الذين يعيشون صمتًا محبطًا أمام هذا الانهيار.
في هذا السياق، وجدت السيدة (تيتيه) – الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا – الفراغ السياسي الذي يعاني منه قطاعا الشباب والمرأة، فسعت إلى لقاء نماذج شبابية لاستطلاع آرائهم حول مستقبل بلادهم، استعدادًا لتقديم إحاطتها المقبلة أمام مجلس الأمن. غير أن هذه اللقاءات ستظل شكلية ما لم ينتزع الشباب الليبي القوة ليمارس دوره الحقيقي في العملية السياسية. فالأحزاب السياسية المحلية تفتقد الحيوية بسبب خلوها من العنصر الشبابي، بينما تثبت التجارب الإنسانية أن التغيير نحو الأفضل تقوده دائمًا طاقات الشباب الواعي بدوره الوطني. وما يسجله التاريخ أن الحراكات الوطنية والثورات الكبرى في العالم لم تخرج إلا من رحم شباب آمن بقدراته وأصرّ على التغيير.
إن اليوم الدولي للشباب ليس مجرد مناسبة للاحتفال، بل دعوة مفتوحة لاستنهاض طاقات جيل يملك القدرة على رسم مستقبل ليبيا، إذا ما كُسر طوق التهميش وأُتيحت له الفرصة ليكون شريكًا أساسيًا في صناعة القرار.