التمر ما يجيبنا مراسيل

بقلم/ ناجي إبراهيم
تابعت ملخصًا لإحاطة مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة (تيتيه) أمام مجلس الأمن بشأن الأوضاع في ليبيا
لم أتوقع جديدا ومختلفا ولم نجد فيه جديدًا ومختلفا، عن الإحاطات السابقة لمندوبين سابقين لها، وجاء كذلك تقريرها لا جديد فيه ولا استجابات لمطالب الشعب الليبي، بل هو إعادة لوعود متكررة، وما لفت انتباهي أنها ستخوض حوارات جديدة لأجل وضع خارطة طريق للخروج من المراحل الانتقالية والذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية بعد إجراء تعديلات على الهيئة العليا للانتخابات، وتشكيل حكومة موحدة بسقف زمني لتهيئ الأوضاع على الأرض لخوض الانتخابات.
من يضمن الالتزام بالسقف الزمني؟
ومن يضمن استمرار المبعوثة الحالية حتى بلوغ هذا التوقيت؟
وهل التزمت البعثة في السابق بالأطر الزمنية التي وضعتها في الصخيرات ثم فيما بعد في جنيف؟
ومن يضمن عدم تدخل قوى قاهرة تمنع المضي في خارطة الطريق التي وضعتها مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة، كما تدخلت من قبل ونعود إلى المربع الأول؟
ومن يضمن نجاح الحوارات التي ستجرى واستمراريتها لتبلغ منتهاها؟
هل التلويح باستخدام عقوبات ضد المعرقلين ضمانة كافية لنجاح المساعي هذه المرة؟
ومتى كانت العرقلة ناتجة عن أطراف محلية؟
ومن يمنع التدخلات الخارجية التي تدعم أطرافا محلية في إثارة الخلافات التي أفشلت في السابق كل المحاولات للخروج من الأزمة؟
لا أحد من الليبيين يصدق أن القوة القاهرة التي أفشلت انتخابات 2021هي قوى محلية، ولا أحد من الليبيين يصدق أن حكومة الدبيبة مسنودة بشرعية شعبية تجعلها تستمر في حكم طرابلس رغم قرار البرلمان بسحب الثقة منها، والليبيون قالوها في الميادين والساحات وفي الحوارات وأمام مقر البعثة الأممية وهم ينزعون الشرعية عن كل الأجسام الممسكة بالسلطة، وفوضوا في بياناتهم المجلس الأعلى للقضاء بتولي سلطة مؤقتة تفضي إلى انتخابات تنتج سلطة دائمة تنهي جميع المراحل الانتقالية، وهذا ما لم يرد في تقرير المبعوثة الأممية.
تجاربنا مع البعثة، والتجارب المقارنة في بلدان عاشت نفس الأوضاع لا تجعلنا نثق في خطواتها وإجراءاتها التي نراها تخدم مشاريع الدول التي أسقطت الدولة الليبية لإعادة تركيبها بما يخدم مصالحهم، والسعي لإيجاد صيغ تحقق لهم السيطرة على آليات إنتاج أي سلطة في المستقبل من خلال سيطرتهم على الهيئة العليا للانتخابات، والتي اقترحت المبعوثة إعادة هيكلتها ودعمها المالي لتكون جسرًا للخارج تمر عبرها الإملاءات.
الأمم المتحدة قد تعطيكم سلطة، ولكنها لن تمنحكم وطنا ودولة.
الوطن والدولة تصنعه تضحياتكم وجهودكم وعرقكم وحتى دمكم.
ومثلنا الشعبي الذي يصلح ليكون نظرية سياسية متكاملة (التمر ما يجيبنا مراسيل) ومثل آخر (الحرة تزرب بيتها).
يتطلب منا حشد الصفوف وتطهيرها من الأنانية وقطع الطريق على كل أصحاب المطامع الشخصية والمرتبطين بالمخابرات الأجنبية، وتشكيل هيئة تأسيسية وحكومة مؤقتة تذهب بنا إلى سلطة دائمة ودستور يجمع الليبيين ويجمعون عليه، وذلك يتطلب قطع كل الخطوط مع الخارج بجميع الأشكال، وسيأتي إليكم يطلب مد جسور للتعاون مبنية على الندية والاحترام المتبادل.
لا (تمركم) ستأتي به تيتيه ولا بيتكم ستحميه قرارات الأمم المتحدة التي تخنقكم بقراراتها الظالمة والجائرة.
نرجو أن تكون قراءتي هذه لبيان مندوبة الأمين العام إلى ليبيا غير صحيحة وتكذبها الإجراءات على الأرض رغم أنها لم تأخد في حساباتها ما أجمع عليه الليبيون وتبنت وجهة نظر الأقلية من الليبيين وإملاءات الدول المتدخلة في الشأن الليبي، رغم أنني أزعم أن تحليلي ينطلق من المعطيات ومبني على سوابق وتجارب مقارنة.
وأنا متأكد أن هذا المقترح الذي تقدمه الأمم المتحدة وفي أفضل الأحوال سينتج سلطة تستجيب لرغبات الدول المسيطرة على مجلس الأمن، ولن تنتج سلطة تهتم بالمصلحة الوطنية وستضع ليبيا ضمن الاستقطابات الدولية وفي داخل الخارطة التي بدأت تتشكل في منطقتنا، وستلحق بالطابور الذي بدأ بالانخراط فيما يسمى السلام الإبراهيمي الذي يحتوي الكيان الصهيوني والذي يتم تجهيزه ليقود المنطقة الممتدة من بغداد إلى الرباط.
وفي عودة للاستعمار وتحت شعارات جديدة وآليات مبتكرة، وذلك ما يتطلب تكاتف كل الدول والشعوب لإفشال هذه المخططات وهزيمة الاستعمار الذي سيطر كل المؤسسات الدولية بما فيها الأمم المتحدة ليستخدمها لخدمة أهدافه.