مقالات الرأي

سمو الأحكام القضائية وإشكالية تجاهلها إداريًا

بقلم/ غادة الصيد

إن الأحكام القضائية النهائية تُعدّ عنوان الحقيقة القانونية، وهي مُلزمة للكافة، بمن فيهم الإدارة. ووفقًا لمبدأ المشروعية، فإن الإدارة مُلزمة باحترام هذه الأحكام وتنفيذها، ولا تملك سلطة تقييم مدى صوابها أو تعديل آثارها بقرار إداري.

ومع ذلك، يُلاحظ في الواقع الإداري وجود حالات عديدة تُصدر فيها الجهات الإدارية قرارات تتجاهل الأحكام القضائية، تحت ذرائع مثل: “متطلبات المصلحة العامة”، أو “مقتضيات التنظيم الإداري”، أو حتى “تقدير الإدارة لمقتضيات المرحلة”. وتُقدَّم هذه القرارات إلى الموظف العام في صورة تعليمات وجوبية، مما يضعه بين مطرقة الالتزام الوظيفي وسندان المسؤولية القانونية.

وهنا تبرز معضلة فلسفية وعملية للموظف العام:

هل تكون الطاعة العمياء للنظام الإداري مبررًا للتنكر لحجية الحكم القضائي؟

وهل يحق له – بل هل يجب عليه – الامتناع عن تنفيذ قرار إداري يعلم يقينًا أنه يصطدم بحكم قضائي واجب النفاذ؟

وفقًا للمبادئ العامة، يجب على الموظف الامتناع عن تنفيذ أي قرار إداري غير مشروع، خاصة إذا تعارض مع حكم قضائي بات، لأن الامتثال لمثل هذا القرار يعرّضه للمساءلة القانونية والإدارية، ويقوّض مبدأ سيادة القانون.

لكن الواقع يعقّد الصورة، إذ قد يتعرض الموظف لضغوط وظيفية، وتهديدات ضمنية أو صريحة، بل يُستغل التدرج الوظيفي كسيفٍ مسلط على إرادته.

وهنا، تنشأ الحاجة إلى تطوير ثقافة قانونية مؤسسية تُعزّز من مكانة الحكم القضائي، وتدرج مقتضاه ضمن الالتزامات الإدارية لا خارجها، بحيث تكون الأحكام القضائية ملزمة لا مجرد توصيات.

فرغم أن القوانين الإدارية لا تخلو من نصوص عامة توجب احترام حجية الأحكام القضائية، إلا أنها غالبًا ما تُترك دون تفعيل فعلي داخل المنظومة الإدارية.

ويزداد الأمر خطورة حين تغيب آليات فعالة لمساءلة الإدارة عن امتناعها عن التنفيذ، أو حين يُحمّل الموظف وزر قرار لم يكن من صُنعه.

فلا وجود لدولة قانون حقيقية دون قضاء محترم، ولا قضاء محترم إن لم تُصن أحكامه من عبث الإدارة.

وليس الموظف العام مجرد أداة تنفيذ، بل هو حارس على التوازن بين السلطة والمشروعية. وإذا وُضع بينهما، فعليه أن ينحاز دومًا إلى حكم القضاء، لأنه في النهاية يصدر باسم الشعب، لا باسم الإدارة.

زر الذهاب إلى الأعلى