المشروع يجمع رابين مع سموترش

بقلم/ ناجي إبراهيم
في علم الإدارة بكل فروعها، بما في ذلك الإدارة العسكرية، عندما يعلن عن المشروع يعني أن جميع الخطط والدراسات قد استوفت شروطها وهيئت التربة والبيئة المكانية والقانونية، ويتم الشروع في التنفيذ. تصريح رئيس حكومة الكيان الصهيوني حول تنفيذ المشروع الصهيوني، الذي يحاول بعض الإعلام العربي ربطه بالحكومة اليمينية المتطرفة التي يرأسها (نتنياهو) وتضم وزراء ينتمون إلى أحزاب يمينية متطرفة، ذلك تسطيح للموضوع وتحويل بوصلة الصراع مع الكيان من أنه صراع وجود وهوية ومشروع استعماري استيطاني، إلى ربطه بحكومة يمينية متطرفة، محاولة غبية وجهل بحقيقة المشروع الصهيوني التوراتي المدعوم من الغرب الاستعماري، وارتباطه بإعادة رسم خريطة المنطقة وفتح طرق ومسارات جديدة لعودة الهيمنة على العالم وثرواته.
المشروع الصهيوني لا يرتبط بحكومة متطرفة أو أخرى معتدلة، أو فكر يميني وآخر يساري، بل يلتقي فيه رابين مع سموترش وبن غفير، ويتغذى من نفس الفكرة الغربية الاستعمارية التي نشأ فيها وتأسس في أحضانها.
ما لم تقله بعض الوسائل الإعلامية الناطقة بالعربية أن المؤتمر الصهيوني الأول عقد يوم 19 أغسطس 1897 في بازل بسويسرا بقيادة (تيودور هرتزل)، والذي لم يكن يومًا يمينيًّا ولا يساريًّا، ولكنه صهيوني، ولم يعقد المؤتمر في الشرق الأوسط، بل في رحم الغرب الاستعماري، وأعلن في بيانه الختامي عن السعي مع الغرب لإيجاد وطن قومي لليهود حُددت ملامحه وجغرافيته. وقال يومها هرتزل: “إني أرى دولة (إسرائيل) بعد خمسين عامًا”، والتي بالفعل وضعت لبناتها الأولى ولبنات المشروع الصهيوني عام 1948 بدعم من بريطانيا الاستعمارية التي منحت وطنًا قوميًّا لليهود بفلسطين. ومنذ ذلك التاريخ لم يتوقف الصهاينة عن العمل ليل نهار على السعي لاستكمال مشروعهم وحلمهم التوراتي.
الذي يعلن عنه نتنياهو اليوم هو اكتمال المشروع الذي بات الطريق ممهَّدًا له بفعل الهزائم المتوالية التي تلقتها الجيوش العربية، وتواطؤ بعض الدول العربية التي نراها اليوم تكيل الانتقادات لتصريحات نتنياهو وتعتبره انتهاكًا للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية، ويعملون في ذات الوقت على محاصرة المقاومة وضربها، وغض الطرف عن الانتهاكات الخطيرة التي تستهدف إبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره.
حصار المقاومة وتفكيك سلاحها يفتح الباب والبوابات لاستكمال المشروع الذي كان حلمًا في بازل قبل قرن ونيف.
من يربطون بين “المظلمة التاريخية” وإيجاد وطن لهم في فلسطين، التي يقولون إن اليهود تعرضوا لها على يد النازية في ألمانيا في أربعينيات القرن الماضي، والتي لا يوجد سند لها في التاريخ والجغرافيا، ويذرفون الدموع على شيء لم يحدث، ويضخون أموالًا لمداواة جراح لم توجد، وتكفيرًا عن جرم لم تثبته الأدلة، ولم يذرفوا دمعة واحدة على الإبادة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني طيلة ثمانين عامًا على يد العصابات الصهيونية، يبحثون عن تبرير أخلاقي وإنساني يخفي نواياهم الحقيقية التي تعد مخططًا جديدًا للمنطقة ما بعد سايكس بيكو، يتيح لهم العودة إلى المنطقة من جديد تحت شعارات ومبررات مختلفة لإقامة كيان عنصري في فلسطين.
لا يوجد رابط بين تلك المحرقة المزعومة ودعم قيام دولة اليهود وحمايتها إلا رابط المصلحة الاستعمارية في المنطقة، التي خرجت من المنطقة من بوابة المقاومة الشعبية لتعود من نافذة الوطن القومي اليهودي، الذي صُمِّم ليكون الجسر الذي يعود عليه المستعمر إلى منطقتنا والسيطرة على ثرواتها والممرات التي تتحكم فيها، وتربط شرق العالم بغربه وبين الغرب الاستعماري ومستعمراته في شرق العالم، والتي ارتبطت بسوقهم الرأسمالي.
ما شهدناه بعد الحرب العالمية الثانية وولادة منظمة الأمم المتحدة وميثاقها الذي يدين مرحلة الاستعمار ويساند الدول على نيل استقلالها والمساواة بين شعوب العالم، وإدانة الأعمال العدوانية وتجريمها، لم يكن تحولًا في ثقافة المستعمرين وتخليًا عن مخططاتهم في العودة، بل كان خديعة وفخًّا وقعت فيه شعوب العالم بعد أن تحولت المنظمة الأممية إلى أداة لشرعنة التدخل، وحامية لجرائم الدول الكبرى التي صادرت حق الشعوب في تقرير مصيرها، ومارست جرائمها بصكوك من هذه المنظمة التي وفرت لها الغطاء القانوني والأخلاقي.
قبل الأمم المتحدة كان العدوان سافرًا ومجرَّمًا، ولم يوجد أحد يصادر حق الشعوب في مقاومة العدوان والاحتلال كما نشهده اليوم، حيث تصدر قرارات عن المنظمة الدولية تحرم وتدين حق الشعوب في المقاومة.
هل ما زال أحد في هذا العالم المضطرب والمليء بالحروب، وبعضها بموافقة من الأمم المتحدة وبعضها بسكوت منها، يثق أن هذه المنظمة التي أنشأتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية جاءت لحفظ الأمن والسلام في العالم، أم أنها كانت مسوغًا جديدًا لما نشهده اليوم من حروب وعدوان وانتهاكات طالت كل العالم؟
كيف لنا أن نثق في منظمة تجرد المقاومة الوطنية اللبنانية من سلاحها، وتصف مقاومة الشعب الفلسطيني بالإرهاب، وتغض الطرف عن الجرائم والإبادة التي ترتكبها عصابات الصهاينة في فلسطين ولبنان؟
التصريحات الصهيونية وتحركاتها تأتي متزامنة مع متغيرات شهدتها المنطقة، وفي ظل نظام عالمي تسيطر عليه الدول الاستعمارية الإمبريالية، وفي غياب تام لقوة الردع على المستوى العربي والإقليمي، ما شكل حافزًا وفرصة للكيان الصهيوني للإعلان عن رغبته في تنفيذ مشروعه في إقامة إسرائيل الكبرى. ولن يرتدع بتصريح هنا وهناك، وبشجب شديد اللهجة أو واطئ اللهجة، ما لم يكن مسنودًا بقوة مادية تفشل مخططه وتعيده إلى حجمه. وحتى يتحقق ذلك، فالكيان الصهيوني ماضٍ في مشروعه حتى النهاية.