من دروس الماضي إلى رهانات المستقبل

بقلم/ المهدي الفهري
استشارة العقول الراجحة والنيِّرة فكريًّا ليست ضعفًا أو عيبًا أو نقيصة أو دليلًا على التطفل والإفلاس الفكري والاتكال على رؤية وجهد الآخرين، بل ضرورة تمكننا أحيانًا من اتخاذ القرارات الصائبة والصحيحة القادرة على مواجهة وتجاوز ما يعترض طريقنا من صعاب، فالعلماء والمثقفون وأصحاب التجارب والخبرات هم بوصلتنا في زمن الأزمات، وهم أصحاب الأفكار الإبداعية التي لها حضورها في المشهد الإبداعي العام، حيث تشكل آراؤهم وخبراتهم ثروة يجب الاستفادة منها وتوظيفها واستغلالها في حل ومعالجة معضلاتنا المختلفة والمتكررة والاستعداد لمواجهة تحديات العصر من خلال الرأي الناضج والشامل والجامع الذي يجسد روح الفريق والذي يشارك في صياغته وصناعته الجميع ويضع أصحاب الكفاءة في المواقع التي تليق بجهدهم وقدراتهم، ويضمن إنجاز الأعمال بكل كفاءة ومهنية وفهم فلسفة الحياة بين السقوط والتحدي.
إن السقوط ليس تراجعًا أو انتكاسًا أو مدعاة لتغيير المواقف والسلوك، خصوصًا حينما نتعلم من السقوط كيف ننهض، وإنما تبادلًا لسنن الحياة وإتاحة الفرص لتكرار المحاولة والوصول إلى الخيار الأفضل، وإن الانتكاس الحقيقي لا يكمن في الفشل أو العجز، بل في الاستسلام للواقع المزيف والخادعوفقدان الإرادة والقدرة على النهوض من جديد، فالحياة ميدان تتناوب وتتنافس فيه لحظات التقلب والثبات، وتضعنا في بعض الأحيان أمام خيارين، بين إصرار على البقاء والاستمرار بشموخ وكرامة، أو تراجع يعيدنا الى الصفحة الأولى ونقطة البداية، ويؤدي بنا إلى الضياع في متاهات المجهول، ونحن نعي أنه لا يوجد لدينا تفكير على المدى البعيد، وأن مأساة الكثيرين منا أنهم يعيشون حياة غريزية بعيدة جدًّا عن الثقافة، فلا هم استمتعوا بشغف الحياة، ولا هم جعلوا من أنفسهم نبراسًا يهتدي ويقتدي به الآخرون، ولم يدركوا بعد أن قيمة الإنسان لا تقاس بما يملك من مال أو جاه أو سلطان، بل بما يقدمه لوطنه وللإنسانية جمعاء من علم وإنجاز وعطاء، وبما يتركه من أثر طيب وتضحيات جمة تُخلد ذكراه وتلهم الأجيال الحاضرة واللاحقة على اقتفاء آثاره ومواصلة النهج والمنهج على نفس المنوال، ونحن ندرك أيضًا أننا لا يمكن أن نعيش الحضارة ونحن نعيد تجارب الماضي، في حين يمكننا نقده بموضوعية واستخلاص العبر من تجاربه. التعامل مع الحاضر بثقة وصدق هو السبيل الأنجع لكسب رهانات المستقبل ومواجهة تحدياته وما يتطلب ذلك من قدرة ونزاهة في معالجة قضايانا وانتهاج خط وخطة لما تحمله الحياة من مستجدات ومفاجآت، ولعل أهم ما نحتاجه اليوم هو الحذر في اتخاذ القرارات المصيرية، خصوصًا تلك التي تمس مصير الوطن وتتعلق بحياة الناس ومستقبلهم، مع يقيننا بأن الأزمات المجتمعية المزمنة لا تحل إلا بالتعرف على أسبابها وتتبع جذورها وضمن دعوة للجيل الجديد لتعلم فن مواجهة الأزمات وبناء الذات، والانتقال من جيل أناني ضيق الأفق إلى جيل يضحي من أجل الآخر ويتمسك بخيوط الأمل ويسعىإلى تغيير الواقع من خلال البحث عن حلول واقعية وتقديم بدائل في كل مرحلة والتعاطي مع الأحداث بوعي جماعي، والاستعداد الكامل والمبكر